الإثنين 01 أغسطس 2016

رغم أن عددا كبيرا من المحللين الاستراتيجيين يتحدثون عن الاعتبارات الجيوبوليتيكية المعقدة التي يشهدها القرن الحادي والعشرين إلا أن معظمهم يتناسون واحدا من أقل عناصر القوة الدولية فهما- وإن كان عنصرا مهما للغاية- ألا وهو السيادة: فالاستراتيجية تتمحور حول القوة، والقوة لها علاقة مباشرة بسيادة الدولة. وكلما ارتفع مؤشر السيادة كلما كانت الدولة في وضع أفضل يمكنها من إدارة شؤونها. ومن الجدير بالذكر أن الأمن الفعال في عامنا المعولم اليوم يستمد عناصره من عدة مصادر ولكن القوة الكبيرة التي تتمتع بها دولة الإمارات العربية المتحدة تكمن في مؤسساتها السيادية.
 
 
فالسيادة هي التي تحدد السلطة العليا على منطقة أو جماعة ما، وقد ظلت السيادة منذ ستينيات القرن السابع عشر أهم مبدأ يميز نموذج "ويستفاليا" السائد في مجال العلاقات الدولية. وتركز النظريات الحالية حول سيادة الدولة على أربعة مظاهر للسلطة السيادية: السيطرة على الأرض وإدارة التجمعات السكانية ونوع السلطة (سلطوية أو ديمقراطية أو قضائية أو مجتمعية) والحصول على اعتراف دولي من الجماعات الأخرى. 
 
وقد اقترح ستيفن دي. كراسنر، وهو أستاذ نافذ في مجال العلاقات الدولية، أربعة طرق مختلفة لتخقيق السيادة وهي السيطرة الداخلية الفعلية على الدولة داخل حدودها، وسيطرة الدولة على حركة التنقلات عبر حدودها، والحصول على الاعتراف الرسمي من جانب الدول السيادية الأخرى، ومنع أي سلطات أخرى من فرض سيطرتها على المؤسسات أو الجماعات الداخلية داخل حدود الدولة.
 
 
ولعل كلنا قد لاحظ أن السيادة تعاني أزمة حقيقية في الآونة الأخيرة بعد أن قررت بريطانيا العظمى ( التي تحمل الاسم الرسمي "المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية" كمجموعة ذات سيادة تضم ثلاث دول" الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (الذي يعتبر اتحادا سياسيا واقتصاديا يضم 28 دولة) من أجل إعادة التأكيد على سيادتها الوطنية.
 
ومن اللافت للنظر، وكنتيجة لقرار بريطانيا مؤخرا، أن نجد أن سكوتلندا (وهي جزء من بريطانيا العظمى يرغب في البقاء داخل منظومة الاتحاد الأوروبي) تفكر في الانفصال عن بريطانيا العظمى. ويشبه مجلس التنسيق (التعاون) الخليجي الاتحاد الأوروبي من عدة أوجه، ويتعين على كافة الدول في منطقة الخليج العربي أن تفكرمليا وأن تستوعب تماما القضايا المترتبة على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 
 
 
كما شاهدنا في الآونة الأخيرة تعرض السيادة للانتهاك من جانب المتمردين الحوثيين في اليمن، وانتهاك عناصر داعش للسيادة في سوريا والعراق. وربما نشهد حاليا فشل محاولة داعش فرض نسخة جديدة من السيادة. كما يعتقد البعض أيضا أن الحروب بالوكالة والتكتلات الدولية تشكل تهديدا حقيقيا للسيادة من عدة أوجه لم نستطع أن ندركها أو نستوعبها بعد.
 
 
وتمثل دولة الإمارات العربية المتحدة اتحادا يضم سبع إمارات، وتخضع كل واحدة منها لسلطة الحاكم ولكن هؤلاء الحكام السبعة يشكلون معا المجلس الأعلى للاتحاد الذي يجمع كافة الإمارات السبع تحت قيادة رئيس واحد وحكومة اتحادية واحدة. وقد كان لهذا الإدراك الفريد للسيادة فائدته القصوى لدولة الإمارات منذ تأسيسها، الأمر الذي مهد الطريق أمام حركة نمو عملاقة وغير مسبوقة مدفوعة بقدر هائل من العزيمة والإصرار والتصميم. 
 
ولكن مع محاولة مؤسسات ذات سيادة مثل الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي التكيف مع قوى العولمة والتغيرات الديموجرافية (السكانية)، ومع استمرار لاعبين آخرين (مثل داعش) في تهديد الوضع الراهن، فإن الأمر المؤكد هو أن دولة الإمارات ستواجه بعض التحديات والفرص المتعلقة بالسيادة خلال السنوات القادمة.
 
 
ومن المؤكد أن هذه القضايا ستظل تشكل محكا واختبارا بالنسبة لدولة الإمارات ولكن الأمر المؤكد هو أن ما تتمتع به دولة الإمارات من نظام سيادة يتميز بالبساطة –وإن لم تنقصه القوة والمرونة- وتشد عضده الوحدة والروح الوطنية والالتحام القوي بين الشعب وقيادته سيعود بفائدة كبيرة عليها.
 
 
فوحدة اللغة والدين والعيش الآمن في بيئة منظمة معززة بثقافة محلية قوية ستمكن دولة الإمارات من مواصلة تحقيق الرخاء والرفاهية رغم الفوضى التي تعيشها المنطقة، ولكن يجب على دولة الإمارات أيضا أن تفتح قلبها وعقلها لاستيعاب التحولات التي يمكن أن تطرأ على العلاقات السيادية بين الدول. 
 
وربما كانت تقوية مجلس التعاون الخليجي أو تعزيز نمو المؤسسات الاقتصادية أو المؤسسات القوية، مثل بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية أو الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (اللتين تتمتع دولة الإمارات بعضوتيهما)، من بين الفرص القوية التي يمكن أن تستفيد منها دولة الإمارات. الأمر المهم هو تحديد المصالح الوطنية الحقيقية وأفضل استراتيجية يمكن اتباعها لتعظيم القوة وحجم التأثير مع مواصلة الحفاظ على السيادة الوطنية الحقيقية.