الثلاثاء 01 سبتمبر 2015

يعد إرساء رؤية وطنية مستقبلية أمراً أساسياً للأمن في عصرنا المعقد، وتتطلب صياغة مثل هذه الرؤية فهم الظروف الجيوسياسية المستقبلية، وأفضل السبل لتحقيق المصالح الوطنية. وللقيام بذلك لا بد للمرء من أن يفهم كيف يمكن استخدام السلطة والنفوذ الوطنيين في النظام الدولي المستقبلي. وثمة مجال واحد سيؤثر بالتأكيد في مستقبل الخليج العربي وهو الفضاء.
 
وقد أوضح الشيخ محمد بن راشد إحدى الرؤى تماماً بقوله: "إن إنشاء قطاع فضاء متكامل في دولة الإمارات العربية المتحدة، مع جميع الموارد البشرية اللازمة والبنية التحتية والبحث العلمي، يعد هدفاً وطنياً أساسياً." ويسهم إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية في تمكين البلاد من القيام بدور أكبر في مواجهة التحديات المستقبلية.
 
يوفر الفضاء العمود الفقري الأساسي للاتصالات والملاحة والبث الإذاعي وعلم المناخ. وتساعد الأقمار الصناعية على التنبؤات الجوية، وتوفير الدقة الملاحية لجميع أنواع التطبيقات (الهواتف النقالة، وأنظمة الملاحة في السيارات، والأسواق المالية)، كما توفر صوراً عالية النقاء للمساعدة على الرصد والاستجابة للكوارث. 
 
وتقوم دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً بتشغيل الأقمار الصناعية للاستخدامات التجارية والعسكرية على حد سواء، بما في ذلك الأقمار الصناعية للاتصالات، ورسم خرائط للأرض والأقمار الصناعية للرصد. على الصعيد المحلي، تمس بيانات الأقمار الصناعية والاتصال كل جانب من جوانب الحياة اليومية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
 
وهناك أكثر من 70 دولة لديها حالياً برامج فضاء، بدرجات متفاوتة من الاستثمار. ويتجاوز الاستثمار في دولة الإمارات حالياً 20 مليار درهم، مما يجعلها من بين أعلى 5 دول استثماراً في العالم. في حين لا تملك سوى حفنة من الدول القدرة على إطلاق الأقمار الصناعية في مدارات مستقلة، فإن هناك بضع دول أخرى (بما فيها الإمارات العربية المتحدة) تقود الجهود الرامية إلى الابتكار في الفضاء.
 
في يوليو 2014، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة خططاً للسفر إلى المريخ بحلول عام 2021 (هي الأولى من قبل بلد عربي إسلامي) وذلك لإثراء القدرات الإماراتية وزيادة المعرفة حول الفضاء. لذا تشكل التكنولوجيا الفضائية الآن زخماً جديداً للنمو الاقتصادي المتنوع هنا.
 
وتنص خطة الفضاء لدولة الإمارات العربية المتحدة على أن "النجاح المستقبلي لاقتصاد الدولة لا يتطلب المعرفة التقنية فحسب، بل جيلاً جديداً من القادة الإماراتيين في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ... مجتمعاً قائماً على المعرفة يقود إلى الابتكار والاستكشاف الفضائي المتطور، وتحفيز اقتصاد مستدام مبني على التكنولوجيا العالية." 
 
ثمة تبرير إستراتيجي آخر للبرنامج هو المركز الرئيسي لدولة الإمارات العربية المتحدة في الخليج العربي وكونها مركزاً للتجارة العالمية، ومن ثم فإن وجود برنامج متنام للفضاء يسهم في تمكين دولة الإمارات العربية المتحدة من المزيد من الاستفادة من هذه الصفات الإستراتيجية. 
 
إن الفضاء يعتبر أمراً حيوياً لأمننا الوطني وقدرتنا على فهم التهديدات الناشئة، ونشر القوات، وإدارة العمليات الحديثة، ودعم الجهود الدبلوماسية، والحفاظ على الجدوى الاقتصادية العالمية.
 
يتزايد التزاحم والتنازع والتنافس في الفضاء، مما يزيد من أهمية القدرات الفضائية أكثر من أي وقت مضى. وبما أن المزيد من الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية تدرك فوائده، فسوف نواجه فرصاً وتحديات جديدة في الفضاء.
 
يمكن أن تؤدي الأنشطة الفضائية إلى إنتاج تكنولوجيا تسهم في خفض التكاليف وفي ابتكارات تؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة، كما أنها تجلب الهيبة السياسية والنفوذ الدولي والقيادة على الساحة الدولية. وكذلك تخلق وتعزز القدرات التكنولوجية، وتوفر ميزة إعلامية لعمليات الأمن والتخطيط الاستراتيجي. ويمكن أن تسهم الأنشطة الفضائية أيضاً في توسعة عملية جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها لتقييم التهديدات وتوفير مزيد من الإنذار المطور.
 
وكذلك فإن أمن الفضاء والأمن السيبراني مترابطان بشكل قوي؛ فوجود قدرات الفضاء تعزز الأمن السيبراني للدولة، وسوف تساعد صناع القرار أيضاً على ضمان الأمن المستقبلي لدولة الإمارات العربية المتحدة. إن الأمم التي تقوم بأفضل استخدام للفضاء سوف تكتسب ميزة واضحة على خصومها ومنافسيها.
 
إن تكنولوجيا الفضاء تمكن دولة الإمارات العربية المتحدة من الاستفادة من المزايا الإستراتيجية لقوة الفضاء – وهي الرؤية، والظفر بالفرص، والحضور، والعمق الاستراتيجي الممتد – وتوفر فوائد اقتصادية وإستراتيجية كبيرة. 
 
كما تمتلك دولة الإمارات إمكانات ضخمة من خلال تميزها بالريادة في الابتكار في مجال الفضاء في منطقة الخليج خصوصاً والشرق الأوسط عموماً. ليس هناك شك في أن حضور دولة الإمارات العربية المتحدة في عالم الفضاء سيحقق تلك الأهداف ويؤدي إلى إعادة التوازن في نسبة القوة والنفوذ بما يعود بالفائدة على نحو أفضل على دولة الإمارات العربية المتحدة