الأربعاء 01 يوليو 2015

تواجه منطقتنا في الوقت الراهن عدة تحديات استراتيجية تفرض على القادة الاستراتيجيين ليس فهم واستيعاب أدوات القوة الوطنية  وكيفية استخدامها في تطبيق الاستراتيجيات والسياسات فحسب، بل ضرورة القدرة على تركيز الجهود أيضاً. وحتى مع معرفة كيفية استخدام القوة على المستوى القومي معرفة جيدة تظل القدرة على تركيز كافة الجهود على تحقيق الهدف الرئيسي لضمان النجاح على المستوى الاستراتيجي تشكل تحدياً حقيقياً في وقت الأزمات والاضطرابات. ومن هذا المنطلق، فإن طرق تركيز الجهود، التي تعرف بأنها مبادئ الحرب، تستحق منا قدراً أكبر من الإدراك والفهم والاستيعاب.
 
 
كان المعلم الصيني صن تسو Sun Tzu  أول من قام بتوثيق مبادئ الحرب في الصين القديمة قبل 500 عاماً من العصر الحديث. وقام ميكيافيللي بنشر كتابه «القواعد العامة» عن الحرب في عام 1521. وفي عام 1805 نشر أنطوان هنري جوميني كتابه «شرح موجز لفن الحرب» Précis de l›Art de la Guerre ، وبعدها بعقدين من الزمن كتب كارل فون كلوزويتز كتابه الكلاسيكي القديم «الحرب» Vom Krieg، وارتكز كلا الكتابين على أعمال الكتاب الأوائل، ويعتبر كلا المؤلفين اليوم من أهم الكتاب المتخصصين في فن الحرب. وفي العصر الحديث نجد أسماء لامعة مثل ألفريد تاير ميهان وجوليان كوربت وبازل ليدل-هارت وماوتسي تونج وروبرت سميث الذين طرحوا أفكاراً جديدة عن المبادئ الأساسية للحرب.
 
 
وعلى الرغم من عدم وجود مبادئ للحرب يمكن الاتفاق عليها بصورة عامة نجد أن دولا كثيرة وضعت معايير أساسية للنجاح. وقد كانت المبادئ التي طرحها كلوزويتز هي الأكثر تأثيراً على الرؤية العسكرية، حيث ذكر أن «مركز الجاذبية» Center of Gravity ، أي مركز كل قوة وحركة يتوقف عليها كل شيء، والنقطة التي التي يجب أن تتجه إليها كل الطاقات والإمكانات»، يجب أن يحتل بؤرة تركيز أي دولة تعيش حالة حرب. وهناك مفهوم مشابه، ولكنه مختلف، وهو مفهوم «النقطة الحاسمة» Decisive Point  التي قد تكون الموقع الجغرافي أو حدثاً رئيسياً معيناً أو النظام الحيوي أو الوظيفة الحيوية التي تمنح القادة العسكريين تفوقاً ملحوظاً على العدو، وتؤثر تأثيراً بالغاً في نتائج أي استراتيجية يتم اعتمادها. وتظل الجهود هي نقطة التركيز المحورية.
 
 
ففي المملكة المتحدة يعتبر «اختيار الهدف والتركيز عليه» Selection and Maintenance of the Aim أول مبدأ مهم من مبادئ الحرب. ويرى البريطانيون  أن وضع هدف محدد وواضح هو حجر الزاوية في تنفيذ أي عملية عسكرية ناجحة. ويعتبر اختيار الهدف والتركيز عليه أهم مبدأ من مبادئ الحرب. أما في الولايات المتحدة فإن هذا المبدأ يُنظر إليه بعين مختلفة ولكنه يظل يحمل أهمية قصوى. ويرى الأمريكيون أن أهم معيار هو ضرورة التركيز على «الهدف» Objective وأن من الضروري توجيه كافة العمليات العسكرية نحو هدف واضح محدد قابل للتنفيذ. إن الهدف الرئيسي لأي عملية عسكرية هو تدمير قدرة العدو وكسر إرادته على القتال، ودحر الطرق والوسائل التي تمكنه من تحقيق هدفه الرئيسي.
 
 
ومن الضروري عند إدارة الحرب اختيار وطرح هدف واحد محدد وواضح. أما من الناحية العملية فنجد أن الحفاظ على الهدف يفرض على أي دولة توجيه كافة جهودها القومية نحو هدف واضح محدد وقابل للتنفيذ. ولابد من توجيه كل مرحلة من مراحل أي استراتيجية وكل عملية عسكرية نحو تحقيق هذا الهدف الأسمى. وبمجرد تحديد الهدف يجب حشد كافة الجهود نحو تحقيق هذا الهدف إلى أن يطرأ أي جديد على الموقف يفرض ضرورة إعادة النظر وإعادة التقييم، ومن ثم طرح هدف جديد. فكل خطة استراتيجية أو عمل استراتيجي لابد أن يخضع لاختبار ما يتمثل في مدى تركيز على تحقيق هدف محدد بعينه. وهناك مبدأ Mass الذي يدعو إلى تركيز القوة الوطنية على مكان وزمان محددين.
 
 
ومع استمرار مسلسل الأزمات في العراق وسوريا ثم اليمن، تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة عدة تحديات متضاربة ومتناقضة بصورة مستمرة يمكن أن تشتت جهودها الوطنية وتضعها على مفترق طرق. ولهذا، فإن تركيز الجهود ومواصلة التركيز على أهدافنا الوطنية يفرضان الحذر واليقظة الدائمين. لذلك، يجب اعتبار «اختيار الهدف والمحافظة عليه» Selection and Maintenance of the Aim المبدأ «الرئيس» في هذه الأوقات الصعبة. ولذلك، فإن التركيز على الهدف يجب أن يأتي على رأس قائمة أي استراتيجية عسكرية عند حدوث أي أزمة.