الأربعاء 01 يونيو 2016

يتطلب تطبيق الاستراتيجيات في عالم اليوم فهماً تاماً للمعايير الدولية المتعلقة بالتفاعل بين الدول. وهذه المعايير ليست شاملة تماماً أو مفهومة بصورة عامة، ولكنها تؤثر بالفعل في الطرق التي تتصدى بها الدول لحل المشكلات. واليوم تواجه منطقتنا تحديات استراتيجية تتطلب تنسيقاً معقداً للقدرات الوطنية على مدار الساعة تحت مرأى الملايين حول العالم؛ ذلك أن ضمان النجاح على الصعيد الاستراتيجي يقتضي أن يلمّ جميع صناع القرار لدينا بأساسيات القانون الدولي، ولا سيما في أوقات الحروب.
 
 
تشكل اتفاقيات جنيف 1949 (أربع اتفاقيات قديمة وثلاثة بروتوكولات لاحقة) الأساس لجميع القوانين الدولية الخاصة بالصراعات، حيث تبين المعايير الخاصة بمعاملة الناس أثناء الحرب. فقد حددت الاتفاقيات الثلاث الأولى منها (والموقعة في الأعوام 1864، و1906، و1929 على التوالي) الحقوق الأساسية لأسرى الحرب، وأوجدت حمايات للجرحى والمرضى، وعالجت موضوع حماية ضحايا تحطم السفن، ووضعت قواعد للتعامل مع أسرى الحرب. وقد تم تعديل هذه الاتفاقيات الثلاث عام 1949 بعد الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية، وتم تحديث أحكامها بحيث عكست الحرب الحديثة، وتم إضافة مجال رابع هو حماية المدنيين في مناطق الحرب. وتمت المصادقة على اتفاقيات جنيف – جميعها أو أجزاء منها – من قبل 196 دولة.
 
 
تركز الاتفاقيات على حقوق الإنسان في الحرب، ولكنها لا تعالج الحرب نفسها أو استعمال الأسلحة في الحرب؛ إذ تدخل هذه القضايا ضمن اتفاقيات لاهاي (مؤتمر لاهاي الأول عام 1899، ومؤتمر لاهاي الثاني عام 1907)، وبروتوكول جنيف للحرب البيوكيماوية (1929). وتتضمن هذه جميعاً، الاتفاقيات والبروتوكولات الإضافية، المبادئ الأساسية التي تحد من استعمال القوة في الحرب. ويكمن القصور في هذه المنظومة في تطبيقها. وباستثناء المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، لا توجد مراقبة حقيقية لتنفيذ هذا النوع من القوانين؛ إذ لا يملك الصلاحية الحقيقية سوى مجلس الأمن عندما يقرر استخدامها.
 
 
يمثل قانون "مسوّغات الحرب" Jus ad bellum معايير يتم الرجوع إليها من أجل تحديد ما إذا كان الدخول في الحرب عادلاً. وقد تم استمداد السلوك المقبول أثناء الحرب، والمعروف بالقانون في الحرب jus in bello ، من اتفاقيات جنيف والوثائق الداعمة الأخرى، وهو مختلف تماماً من عدة وجوه عن العملية القانونية الداخلية السائدة؛ إذ يحظر "القانون في الحرب" على المتحاربين الانخراط في القتال إلا إن راعوا متطلبات معينة، مثل ارتداء زي مميز أو علامات ظاهرة أخرى، أو حمل الأسلحة علناً، وتنفيذ العمليات وفقاً لمعايير معترف بها، تشمل حظر مهاجمة سيارات الإسعاف أو المستشفيات التي يوضع عليها "هلال أحمر. وعلى المتحاربين بذل أقصى جهد لتفادي إيذاء الأشخاص والممتلكات غير المشمولة في المجهود الحربي، ولكنهم لا يكونون مذنبين بجريمة حرب إن أصابت قنبلة منطقة سكنية عن طريق الخطأ. وللأسباب نفسها فإن المتحاربين الذين يستعملون عن قصد أشخاصاً أو ممتلكات خاضعة للحماية كدروع بشرية، يعتبرون مذنبين بانتهاكات، وهم مسؤولون عن إيذاء من تجب حمايتهم. من الناحية الفنية، يعتبر "القانون في الحرب"، ملزماً – ليس للدول (وأعضاء جماعاتها المسلحة) فحسب، بل -  للأفراد أيضاً.
 
 
لهذه المعايير آثار عالمية حقيقية؛ فالدول المشاركة في الصراع في اليمن بذلت ما في وسعها للتقيد بأفضل المعايير المتاحة في استخدام القوة. ويترتب على دول التحالف الداعمة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الالتزام بالحد من الدمار في اليمن، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لاستعادة السلام. وتشترك في هذه المسؤولية كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويتعين عليها فعل كل ما هو ممكن للمساعدة على إعادة الاستقرار إلى اليمن. ومن جهة أخرى، فقد انتهك الحوثيون تطبيق القانون في الحرب من خلال الثيام بأعمال عسكرية خارجة عن حدود الضرورة العسكرية، ومن دون الحرص على التمييز بين المقاتلين والأشخاص البريئين. وهذه الانتهاكات للمعايير الدولية تبرر بجدارة جهود التحالف لاستعادة النظام وإعادة الحكومة الشرعية إلى اليمن.
 
 
مع استمرار الأزمة في اليمن وتوقع عمليات مستقبلية في سوريا، سيكون من المؤكد أن تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة تحديات تشكل ضغطاً على التزامنا بالمعايير الدولية، وبالتالي فإن مما يجدر الانتباه إليه الحرص على أن نفهم جميعاً تلك القواعد، مع التأكيد على أهدافنا الوطنية. بإمكان القانون الدولي أن يساعد على توضيح معايير السلوك العالمية، ولكن إدارة العمليات الدولية وفقاً لهذه المعايير قد تنطوي على تحديات، ولكنها ستزيد كثيراً من نفوذ دولة الإمارات، ولا سيما عندما تشارك في مقاربات مشتركة مع دول أخرى. وسوف تظل إدارة استعمال القوة إحدى المهارات المهمة للقادة الاستراتيجيين لعقود قادمة.