الإثنين 01 ديسمبر 2014

من الممكن أن تخفق حتى أفضل الاستراتيجيات إذا لم تكن هناك قيادة فعالة. ولا يمكن أن تكون ثمة فائدة للوطن في فهم أدوات القوة الوطنية والطرق التي يمكن استخدامها لتنفيذ الإستراتيجيات إلا إذا أفلح القادة في جعل الأمور تتحقق. وكما قال الرئيس الأب المؤسس، الشيخ زايد، رحمه الله، ذات مرة: "إن الروح الحقيقية وراء التقدم هي روح الإنسان، الرجل قادر بعقله وقدراته." يجب أن توفر القيادة الإستراتيجية رؤية وتوجهاً لنجاح أي دولة؛ فالأحداث الجارية تتطلب قادة استراتيجيين لا يمكنهم توفير تلك الرؤية فحسب، بل يمكنهم أيضاً إدارة التغيير والتعامل مع الغموض لتحقيق الأهداف الوطنية في ظل ظروف تزداد تعقيداً.
 
إن زعماء اليوم مسؤولون عن توجيه الأنشطة داخل البيئات التي تكتسب طابعاً عالمياً على نحو متزايد وتزداد تعقيداً. إن القيادة "الإستراتيجية" تعني ضمناً نطاقاً واسعاً وقضايا ذات أهمية كبرى، الأمر الذي يتطلب رؤية تمتد على مدى سنوات عديدة. إذن، فالزعماء الإستراتيجيون الوطنيون يرسمون اتجاه البلاد للمستقبل، ويحظون بالدعم من الدوائر الأساسية اللازمة لتوفير الموارد على المدى الطويل، ويديرون التنفيذ في ظل ظروف صعبة، وغالباً ما يكتنفها الغموض.
 
يجب أن يتولى القادة الإستراتيجيون إدارة التغيير؛ فقد شهد هذا الوطن تغييرات هائلة على مدى 43 سنوات، وقلائل هم الذين كان بإمكانهم في عام 1971 تصور دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم، ولكن بفضل الله، ثمة قائد إستراتيجي واحد استطاع ذلك. وسوف يستمر مثل هذا التغيير الديناميكي على الأرجح على مدى السنوات الثلاث والأربعين القادمة؛ فأحداث العالم المعاصر متقلبة للغاية، وتزداد غموضاً (على الرغم من كثرة المعلومات)، وتعقيداً بسبب العولمة والتقنيات الجديدة، وهي غامضة للغاية، وغالباً ما تسبب أوضاعاً قلما تكون لها سوابق لدى صناع القرار.
 
وبما أن الشؤون العالمية معقدة جداً وغير محددة، فيجب أن يكون القادة الإستراتيجيون يتحلون بالإبداع والابتكار والحكمة في حلولهم للمشكلات لكي يحدثوا تغييرات حتمية.
 
لا بد للقادة الاستراتيجيين من إيصال رؤية على نحو فعال. ففي بيئة هذه الأيام الديناميكية يجب أن يكون كبار المسؤولين قادرين على فهم وتقييم آراء الآخرين، وعلى نقل الخيارات بشكل متماسك وبحماس. وغالباً ما يطلب إليهم العمل بشكل وثيق مع الصناعيين والعلماء والمربين، وممثلي الدوائر الحكومية الأخرى، وقادة من الدول والمجموعات الدولية.
 
ويجب أن يساهموا في دائرة صنع القرار هذه - ليس بوضوح الفكر وإتقان حل المشكلات فحسب، ولكن أيضاً – بمعرفة شاملة للشؤون الوطنية والإقليمية والدولية التي تؤثر في الأمن القومي، ويجب أن تتوافر لديهم القدرة على الإلهام بالعمل من خلال إيصال أفكارهم بشكل فعال لكل المعنيين، وبالتالي خلق رؤية مشتركة للمستقبل.
 
ينبغي للقادة الاستراتيجيين أيضاً أن يتصرفوا؛ فهم يحتاجون إلى القدرة التنظيمية ومهارات اتخاذ القرارات للانحياز إلى صف الشعب والمؤسسات، وترجمة الإستراتيجية إلى أفعال. ولكي تنجح أي إستراتيجية، يجب أن يكون القائد قادراً على تعديلها حسبما تقتضي الظروف. فخيرة القادة الاستراتيجيين يعدّون للمستقبل ويأخذون في الاعتبار الأهداف طويلة الأجل والثقافة وسياق التنظيم على حد سواء، في حين يظلون قابلين للتكيف، وبالتالي يغدو بمقدور الأمة أن تبقى مرنة حسبما تدعو الحاجة للتحرك في الساحة العالمية على نحو فعال.
 
إن القادة الاستراتيجيين الذين لا يستطيعون تقديم الرؤية فحسب، بل بإمكانهم أيضاً إدارة التغيير والتعامل مع الغموض لإنجاز الأهداف الوطنية في ظل ظروف تزداد تعقيداً، يستطيعون اجتياز كل الاختبارات. لكن القادة لا يستطيعون أن يفعلوا كل شيء بأنفسهم.
 
وإذا ما أراد الزعماء الوطنيون الاضطلاع بتنفيذ فعال لمجموعة الاستجابات النمطية اليوم، فلا بد لهم من الاعتماد على الآخرين لفهم مقصدهم الاستراتيجي ودعم استراتيجياتهم من خلال التكيف حسبما تدعو الحاجة في مجالات مسؤوليتهم. ومن ثم التحدي المتمثل في القيادة الإستراتيجية لا ينتج إستراتيجية مثلى ورؤية واضحة فحسب، بل يوجد كذلك فريقاً استراتيجياً ويسهم في تطوير الأشخاص المطلوبين للتكيف في التنفيذ حسبما تقتضي الظروف.
 
إن رؤية الإمارات 2021 تطلب إلى الدولة "تسخير الإمكانات الكاملة لرأس المال البشري الوطني من خلال مضاعفة مشاركة الإماراتيين ورعاية قادة مواطنين في القطاعين العام والخاص." إنه من خلال إستراتيجية ابتكار وطنية جديدة وتاريخ مشرف لقادة استراتيجيين يتمتعون بالحكمة والبصيرة، يمكن أن يكون للأمة ثقة في المستقبل، ولكن قادتنا الاستراتيجيين مع ذلك بحاجة إلى دعمنا وهم يديرون عالم الغد المعقد.