الخميس 01 يناير 2015

يحتاج القادة الاستراتيجيون إلى فهم واقع القوة الوطنية وأفضل السبل لتنفيذ الاستراتيجيات والسياسات. فبعض العناصر الرئيسية للقوة العالمية تتطور مع مرور الوقت، وبالتالي فإن أساليبنا في معالجة مشكلات الأمن القومي يجب أيضاً أن تتكيف وتتطور. ويعتبر الأمن البشري أحد النماذج الناشئة لمعالجة التحديات الأمنية العالمية اليوم.
 
وقد أوضح تقرير التنمية البشرية لعام 1994 التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن ضمان التحرر من العوز والخوف لجميع الأشخاص هو أفضل مسار لمعالجة انعدام الأمن العالمي.
 
والآن بعد مرور عشرين عاماً، يجادل المدافعون عن أمن الإنسان بأن وجهة نظر عن الأمن تركز على الإنسان تخدم بشكل أفضل الاستقرار الوطني والإقليمي والعالمي.
 
تشتمل العناصر الرئيسية لهذا النهج الأمن البشري: الأمن الاقتصادي، بتوافر دخل أساسي مضمون للأفراد (حوالي ربع سكان العالم فقط هم آمنون اقتصادياً، حيث تمثل البطالة عاملاً مهما وراء التوترات السياسية والعنف العرقي)، والأمن الغذائي، بتوافر فرص مادية واقتصادية لجميع الناس في جميع الأوقات للحصول على الغذاء الأساسي (تكمن المشكلة في كثير من الأحيان في سوء توزيع الغذاء وليس في نقص القوة الشرائية فحسب)، والأمن الصحي، بضمان وجود الحد الأدنى من الحماية من الأمراض وأنماط الحياة غير الصحية، والأمن البيئي، بحماية الناس من ويلات الطبيعة وتدهور البيئة الطبيعية على المديين القصير والطويل، والأمن الشخصي، وهو حماية الناس من العنف الجسدي (سواء من التهديدات الداخلية أو الخارجية من الأفراد أو الجماعات العنيفة)، والأمن السياسي، ويكون بإقامة مجتمع يحترم حقوق الإنسان الأساسية.
 
وقد أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة التزاماً ينطوي على الإبداع والابتكار بهذا النهج للأمن البشري.
 
وفقاً لوزارة التعاون الدولي والتنمية بدولة الإمارات العربية المتحدة، في العام الماضي وحده، قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة 60 طناً من المساعدات الطبية إلى غينيا بقيمة 5 ملايين دولار أمريكي، وقدمت 360 مليون دولار أمريكي لدعم الوضع الإنساني في سوريا، وقدمت مساعدات إنسانية مباشرة إلى اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة (الأردن ولبنان وتركيا والعراق) والمشردين داخلياً. كما نفذت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان برنامجاً واسع النطاق للتحصين الغذائي في أفغانستان للحد من الوفيات والإعاقات المرتبطة بنقص التغذية بين النساء والأطفال، كما قامت أيضاً بتقديم مساعدات غذائية إلى جمهورية ملاوي.
 
وقامت دولة الإمارات، من خلال هيئة الأعمال الخيرية، بتنفيذ حملة إنسانية بقيمة مليونَيْ درهم في الأراضي الفلسطينية، حيث قامت بتوزيع الملابس والمواد الغذائية والبطانيات ووقود التدفئة لحوالي 30,000 عائلة فلسطينية. كذلك قامت دولة الإمارات، من خلال مشروعها لمساعدة باكستان، بتوزيع 20,000 سلة غذاء بين الأسر النازحة و 1600 طن من المساعدات الغذائية الأساسية على 20,000 أسرة نازحة بتكلفة 1 مليون دولار أمريكي.
 
ومن خلال هيئة الهلال الأحمر الإماراتية، قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة مساعدات طبية بقيمة 2.2 مليون درهم لمرضى الثلاسيميا الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووفرت الإغاثة لضحايا الإعصار حيان في الفلبين، كما قدمت مساعدات الإغاثة للاجئين السوريين في لبنان بتكلفة 5 ملايين درهم، ووزعت سلالاً غذائية بقيمة مليونَيْ درهم على الأسر الفلسطينية المتضررة من الفيضانات في قطاع غزة، كما قدمت مساعدات ومنحاً دراسية للطلبة المتفوقين من الأسر ذات الدخل المنخفض في القدس، وقدمت أكثر من 36.66 مليون درهم إلى نحو 100,000 شخص تضرروا من الفيضانات في ماليزيا.
 
إن هذا الالتزام اللافت والجدير بالإعجاب لا يدع مجالاً للشك في أن دولة الإمارات العربية المتحدة يمكنها أن تمارس قدراً كبيراً من القوة الناعمة بين الدول الأخرى من خلال دورها كقدوة ومثال يحتذى واتخاذ موقف يتماشى مع قيمها الحضارية. إن التوزيع المكثف للمساعدات الإنسانية على من هم في أشد الحاجة إليها هو مظهر قوي من مظاهر الرحمة والتعاطف الإماراتي وأداة مؤثرة في فن الحكم لقادتها الوطنيين.
 
وكذلك فإن العمل على الصعيد الدولي لدعم برنامج الأمن البشري هو طريقة مبتكرة أخرى لدولة الإمارات العربية المتحدة في إحداث فارق إيجابي في العالم.
 
وبالدرجة نفسها من الأهمية، فإن اعتماد هذه السبل الناشئة يدل أيضاً على أن القادة الاستراتيجيين بدولة الإمارات العربية المتحدة منفتحون على الأفكار الجديدة وقادرون على التعامل مع عالم أكثر غموضاً من أي وقت مضى بطرق مرنة ومتجاوبة للغاية. إن هذا يعد سمة مميزة من سمات البراعة الاستراتيجية الرائعة.