الإثنين 01 فبراير 2016

مما لا شك فيه أن ممارسة القوة والنفوذ في النظام العالمي تفرز أنواعا من المخاطر والتحديات التي يجب التغلب عليها لتحقيق المصالح الوطنية، الأمر الذي يستلزم استخدام القوة المسلحة وهو ما يتطلب غالبا تحقيق الاستقرار وإعادة بناء مسارح الحروب. ولكن الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار وإعادة البناء، مثلما يحدث في اليمن حاليا، قد لا تقل صعوبة وفداحة عن الحرب نفسها، وتتطلب رؤية استراتيجية. ومن المعروف عن دولة الإمارات العربية المتحدة استعدادها لتقديم المساعدات، وقد قامت بدور رائع في اليمن حتى الآن، ولكن الإدراك الجيد للاستقرار الوطني وإعادة البناء بصورة فعالة سيساهمان في تخقيق الاستقرار الإقليمي في السنوات المقبلة.
 
وعادة ما تركز جهود الاستقرار وإعادة البناء على تحقيق خمسة أهداف رئيسية، وهي:
 1. خلق بيئة آمنة تسمح للسكان المحليين بممارسة حياتهم الطبيعية.
 2. تفعيل سيادة القانون وإقامة نظام قضائي جدير بالثقة من أجل تحقيق الوفاق الوطني.
3. إعادة تشغيل الجهاز الحكومي والخدمات العامة.
4. بناء اقتصاد مستدام وبنية تحتية حتى يتمكن الشعب من تدبير أمور معيشته.
5. تقديم المساعدات الإنسانية اللازمة لتحقيق الرخاء الاجتماعي.
إن إدارة هذه الجهود الصعبة تتطلب تخطيطا وتنسيقا لا يقلان بأي حال عن تخطيط وتنسيق العمليات العسكرية، إن لم تتطلب مشاركة أكبر من جانب الأجهزة الحكومية وغير الحكومية المختلفة من أجل ضمان استمرار عملية التنمية.
 
إن الانتقال من الحرب إلى السلام يتطلب تخفيف أسباب النزاع وتعزيز القدرات الحكومية الرئيسية واستعادة الدولة المنكوبة بالحرب قدرتها على إدارة عملية التنمية السياسية والاقتصادية بنفسها، وهو ما يعني أن على الدولة المنكوبة بالحرب تحديد احتياجاتها وأولوياتها التنموية بنفسها حتى لو كانت السلطة الانتقالية بيد أطراف خارجية أخرى، بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار السياسي، بمعنى أن أي تسوية سياسية دائمة بين الأطراف المتنازعة يجب أن تشكل الركيزة الأساسية لأي جهود ترمي إلى تحقيق استقرار مستدام. أي أي قرار أو تحرك سياسي يجب أن يركز على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية بين الأطراف المتحاربة. كما تعتبر الشرعية شرطا أساسيا أيضا، ويجب على الشعب أن يوافق على الحكومة وقراراتها، وأن تكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب، وأن توافق الدول الإقليمية المجاورة والمجتمع الدولي ككل على الحكومة الجديدة وتقديم الدعم اللازم لها.
 
وقد قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل مساهمات قيمة بالفعل من أجل تحقيق الاستقرار وإعادة البناء في اليمن الشقيق. واحتلت الإمارات المركز الأول على مستوى العالم كأكبر دولة مانحة لليمن في عام 2015، حيث بلغت نسبة المساعدات 31% من إجمالي المساعدات المقدمة من الدول في جميع أنحاء العالم. وقد بلغت قيمة المساعدات التي قدمتها الإمارات للخروج من الأزمة الإنسانية في اليمن منذ شهر مارس الماضي 1,62 مليار درهم، كما تعهدت الإمارات أيضا بتقديم مساعدات إضافية –عن طريق المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى-  بقيمة 73,5 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب اليمني الشقيق، منها تخصيص 44 مليون درهم لدعم الرعاية الصحية وتلبية الاحتياجات الأخرى، و 29.3 مليون درهم لتعزيز الأمن الغذائي وتغذية الأطفال والأمهات. وستتركز معظم هذه المساعدات في محافظات تعز وعدن ولحج.
 
وقد قام الهلال الأحمر الإماراتي بتنفيذ عدة برامج متعلقة بالمنشآت الطبية ومرافق المياه في عدن وإقليم شبوه أيضا. وقد قام عدد من قادة المقومة الشعبية الوطنية بزيارة دولة الإمارات لتقديم الشكر لقادة الدولة وشعبها على موقفهم المشرف لدعم الأمن والتنمية في اليمن.
 
ولكن ما يزال هناك الكثير والكثير لفعله مثل دعم الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي قائم على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 ومبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والنتائج التب توصل إليها الحوار الوطني اليمني، وكلها جهود تنطوي على مفاوضات شاقة وبناء الثقة المفقودة. فاليمن من أكثر دول العالم تدجيجا بالسلاح (حيث يعتقد المحللون أن هناك ما يقرب من 60 مليون قطعة سلاح في اليمن في يد شعب يصل تعداده إلى 21 مليون نسمة)، كما أن شبكات المعلومات الإقليمية المتكاملة تعتقد أن ألفي يمني يلقون حتفهم كل عام بسبب النزاعات العرقية أو الجرائم المتعلقة بالسلاح.
 
ويتطلب الأمر، على المدى الطويل، الاحتكام إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 حتى يمكن إدخال اليمن ضمن المنظومة الاقتصادية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتعزيز قدرته على استغلال الموارد الطبيعية والبشرية واستغلال شريطه الساحلي الاستراتيجي. وقد أثبت التاريخ أن بناء قدرات الدولة اليمنية ومساعدتها في إدارة عملية التنمية سيظلان يشكلان تحديا صعبا، ولكن وجود "يمن" أكثر أمنا وأمانا في قلب العالم العربي – "يمن" يمنح كل مواطن يمني دورا في بناء مستقبل بلادهم بالتعاون مع جيرانه- هدف يستحق المحاولة. وقد ضحى عدد كبير من المواطنين الإماراتيين بأرواحهم ودمائهم في الحملة الرامية إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن. وهذا يتطلب منا الالتزام واعتماد الأفكار الخلاقة، بالإضافة إلى التحلي بالصبر والمثابرة إزاء أي تحديات مستقبلية بما يدفع عجلة الأمن القومي في كل من اليمن والإمارات قُدما إلى الأمام .