الجمعة 01 يناير 2016

تعد الاستراتيجيات عديمة الفائدة إذا لم يرافقها التطبيق الفعال، وبالتالي يحتاج القادة الاستراتيجيون إلى فهم أدوات القوة الوطنية، والطرق التي يمكن استخدامها لتنفيذ السياسات من خلال أدوات مثل: الدبلوماسية، والمعلومات، والقوة العسكرية، أو الاقتصاد. وإذا كان أحد أهداف استخدام القوة الوطنية يتمثل في تغيير سلوك الدول الأخرى من أجل تحقيق أهدافك، فإن القوة الاقتصادية ستكون ذات تأثير خاص في تلك الحالة. والقوة الاقتصادية الوطنية هي عبارة عن تخصيص الموارد وتوزيع السلع والخدمات لتعزيز الأهداف الوطنية. ويمكن أن تشمل الضغوط أو العقوبات الاقتصادية، والحوافز الاقتصادية، مثل المساعدات والعلاقات التجارية ذات الأفضلية. ويمكن للأداة الاقتصادية للقوة الوطنية، إن أحسن ربطها بقطاع  (الأعمال) الخاص، أن تؤدي إلى نفوذ كبير، وذلك من خلال الاستثمار والتجارة وأشكال النفوذ المالي الأخرى. ويمكن أن تكون القوة الاقتصادية بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر أدوات فن الحكم تأثيراً.
 
 
طرح أستاذا الاقتصاد السياسي ليسلي أرميجو وساوري كتادا فكرة مفادها أن فن الإدارة الاقتصادية يمكن أن يكون إما دفاعياً أو هجومياً، ويمكن استهدافه إما بصورة ثنائية أو منهجية، وقد يستخدم الوسائل المالية أو النقدية. ويمكن استخدام الأدوات المالية كدروع وقائية لحماية التنمية الوطنية (من بين الأمثلة: الحواجز التجارية والضرائب على الصادرات) أو على الصعيد الخارجي سواء بمثابة مغريات من قبيل سياسة «الجزرة» (تشجيعاً للدول) أو سياسة «العصا» (لفرض تغير في السلوك). وعلى سبيل المثال، يمكن فرض عقوبات تجارية على دولة أجنبية بهدف ممارسة الضغط على حكومتها لإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان (كما كانت الحال في جنوب أفريقيا إلى أن أجبرتها العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة ودول أخرى على إنهاء سياسة التمييز العنصري) أو للتوقف عن صنع أسلحة نووية (كما تم في حالة العراق وإيران). وعلى النقيض من ذلك يمكن أن تتلقى الدول الصديقة عسكرياً أو دبلوماسياً قروضاً مدعومة أو أفضليات في التبادل التجاري، كتلك التي استفادت منها مؤخراً كل من مصر وباكستان.
 
 
ثمة وجه آخر لفن الإدارة الاقتصادية، يرى فيه أرميجو وكتادا أن «فن إدارة الحكم يشمل  قيم العملات (مستويات أسعار الصرف)، وأنظمة أسعار صرف العملات (ثابتة، أو معومة أو مختلطة)، أو استخدام عملات احتياطية، وكل منها في خدمة أغراض أكبر للسياسة الخارجية.» وبما أن دولة الإمارات العربية المتحدة قامت بعمل حكيم من خلال ربط الدرهم بالدولار، فقد استفادت من الاستقرار الكبير خلال العقدين الماضيين. وقد أشار أرميجو وكتادا أيضاً إلى أن «التحكم بقيم العملات له هدف داخلي يتمثل في عزل السياسة النقدية الداخلية، ولكنه أيضاً له هدف خارجي (دولي) يتمثل في تعزيز الصادرات أو الحصول على تنازلات في قضايا أخرى.» والصين الآن بصدد التحكم بعملتها ، كما تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتعديل أسعار الإقراض الداخلي، وقد كان لكلا الأمرين تأثير ملموس في السوق العالمية.
 
 
هناك أداة رئيسية أخرى استخدمتها دولة الإمارات لدعم أهداف سياستها الخارجية، وهي صندوق الثروة السيادي. فشركة الاستثمارات البترولية الدولية – آيبيك IPIC، وجهاز أبوظبي للاستثمار ADIA، ومجلس أبوظبي للتعليم ADIC، وجهاز الإمارات للاستثمار EIA، ومؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية ICD، وشركة مبادلة (التي قامت مؤخراً بإنشاء صندوق استثمار مشترك بين الإمارات والصين مع إدارة الدولة للقطع الأجنبي الصيني) كلها صناديق ثروة سيادية تقوم بمساهمات كبرى في استقرار القطاع المالي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبصورة غير مباشرة في دولة الإمارات نفسها. وهي تجعل من الممكن لدولة الإمارات استخدام الاعتمادات الثنائية والضغط النقدي، حتى في أوقات انخفاض أسعار النفط، بل وحتى لكي تصبح مقرضاً دولياً كبيراً للدول العربية الأخرى.
 
 
على الرغم من تأثير الأسعار الحالية للنفط في الرافعة المالية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن تعدد القطبية المتزايد، وإعادة توزيع القدرات المالية العالمية نحو الاقتصادات الناشئة، وتزايد نشاط صناع القرار في السوق الناشئة على الساحة العالمية، تمثل جميعاً تحولات عالمية تشكل فرصاً ينبغي اغتنامها من قبل دولة الإمارات في الأعوام العشرة القادمة، مستخدمة قدراتها الاقتصادية القوية. إن الاستغلال المتقن للقوة الاقتصادية الوطنية يمكن أن يضمن محافظة الإمارات العربية المتحدة على ازدهارها وابتكارها وبقائها دولة تتمتع بنفوذ هائل كذلك.