الأحد 01 يوليو 2018

ناقشت في مقالي السابق «التخطيط للفوز». ففي الحروب المعقدة، لا يعد الفوز حالة نهائية، بل هو عملية مستمرة لاكتساب ميزة من خلال مجموعة متنوعة من التأثيرات المنشودة. ينطوي هذا التنافس على علاقات تعاونية وتصادمية في آن واحد. وقد طبقتُ نموذج هذه «المواجهة التعاونية» على شبه الجزيرة الكورية، حيث وصفتُ استراتيجيات الإقناع، والإجبار، والإغراء، والردع، والدفاع، والإكراه.
 
يصف هذا المقال بشكل منهجي أنواعاً مختلفة من التأثيرات باستخدام ثلاثة اختلافات؛ وتحديداً، يمكن أن تختلف التأثيرات من حيث:
(1) مدى اتصافها بالمواجهة و / أو التعاون، و  (2)مدى غلبة الطابع النفسي و / أو المادي عليها، و(3) درجة استهدافها أو تأثيرها في إرادة الجهة الفاعلة أو قدراتها.
 
تأملوا الفروق التالية بين الآثار والأهداف والأدوات: الآثار هي الآثار الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، والأهداف هي الإرادة والقدرات، أما الأدوات فهي  تشمل الأدوات الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية أيضاً. ويمكن لهذه الفروق التحليلية مجتمعةً أن تشجع التفكير الكلي حول الاستراتيجيات الشاملة التي تخلق تأثيرات سببية ووقائية متفوقة.
دعونا ننظر أولاً إلى التفاعلات التصادمية أو المتعلقة بالمواجهة.
 
لقد قمتُ -  كما في المقال السابق – بتعليم التأثير المنشود بالبنط الأسود العريض لإبراز الهدف من الاستراتيجية؛ لأنه يمكن أن يفوت الانتباه إليه أثناء تنفيذ العمليات الحالية. وقد يسهم التركيز على التأثيرات الكلية في توسعة أي منظور تنظيمي حول ما قد يتطلبه تحقيق المزايا الوطنية.
 
في التفاعلات التصادمية، وعلى الصعيد النفسي، يمكن أن تحاول إحدى الجهات الفاعلة بث الخوف في طرف آخر لردعه عن إرادة سلوك أو لإجباره عليه؛ مثل التنمر على جار ضعيف وتخويفه  لممارسة التجارة التابعة عن طريق التحكم في المعابر الحدودية،  أو يمكن أن يحاول أحد الأطراف تعطيل قدرة شخص آخر على التصور، من خلال الدعاية مثلاً، لردعه عن ممارسة ولاءات خارجية ولإجباره على الامتثال المحلي. 
 
أما على الصعيد الجسدي، فيمكن أن يواجه الفاعل تهديداً من خلال معاقبة إرادة الآخر، من أجل الإبعاد عن سلوك ما أو الإجبار عليه؛ مثل إرسال سفن فولاذية كبيرة لدك  قوارب خشبية صغيرة، أو قد تحاول الجهة الفاعلة حرمان جهة أخرى من قدرات معينة، مثل قطع مصادر الطاقة عنها، وذلك من أجل دفع ذلك التهديد المتصور أو الملفق أو فرضه.
 
وماذا عن التفاعلات التعاونية؟ من الناحية النفسية، قد يستخدم أحد الأطراف الفاعلة أساليب يتوخى من ورائها ضمان التأثير في إرادة شخص آخر، وذلك  من أجل ثنيه عن سلوك معين أو إقناعه بتبني ذلك السلوك، مثل تدابير بناء الثقة التي تستخدمها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لتعزيز جدول أعمالها. 
 
أو يمكن أن تقوم جهة فاعلة بتعزيز قدرة جهة أخرى على التصور والوعي من خلال توفير المعلومات الاستخباراتية، من أجل ثني أو إقناع طرف آخر فيما يتعلق بالحفاظ على شراكة مفيدة للطرفين. أما من الناحية الجسدية، فقد تبدي جهة فاعلة استعدادها لضمان الالتزام أو الحث عليه، مثل البيانات المشتركة والحوارات الاستراتيجية، أو قد تمارس جهة فاعلة قدرات عسكرية أو اقتصادية لتأمين التزام من حليف أو شريك أو جهة محايدة أو حتى منافسة.
 
إن مجرد أن تتحدث استراتيجية التأثيرات المشتركة عن أنواع مختلفة من التأثيرات لا يعني أننا نستطيع تحقيقها بالفعل، فالظروف مهمة، وبالنظرإلى الحاجة إلى تفسير الغموض السائد وضرورة تحمل المخاطر، فقد أشار الجنرال دوايت أيزنهاور إلى أن “التخطيط هو كل شيء، أما الخطة فهي لا شيء”؛ ذلك أن التخطيط والممارسة يساعدان على تحضيرنا لاتخاذ القرارات، وتقييم المخاطر، وتعلم صياغة الشكل، واستشراف التغيير. والأمر اليقيني هو الحاجة إلى القيادة. 
 
إن صياغة رؤية ملهمة وإظهار التصميم على النجاح يمكن أن يخلق فرصًا من التحديات، وبهذه الروح، ينبغي أن يسعى القادة الاستراتيجيون باستمرار إلى خلق تأثيرات مشتركة يتفوقون بها على منافسيهم.