الأحد 01 مايو 2016

تمثّل الحاجة إلى استشراف التغيرات المستقبلية، وتطبيق استراتيجية محكمة ومرنة تسهم في صياغة الأحداث العالمية، أحد التحديات الكبرى التي تواجه القادة الوطنيين. وحتى عندما تكون الأهداف الوطنية واضحة جلية، تبقى القدرة على استشراف المستقبل لضمان النجاح على الصعيد الاستراتيجي أمراً حاسماً، وإن كان ينطوي على مخاطر جمّة، الأمر الذي يتطلب تفهماً أكبر لأدوات ووسائل التخطيط الاستراتيجي الفعال.
 
ويعتبر تخطيط أو تحليل السيناريوهات طريقة استراتيجية في التخطيط بإمكان المؤسسات والدول استخدامها لوضع استراتيجيات مرنة وبعيدة المدى. والعنصر الرئيسي في هذه العملية هو إنتاج سيناريوهات واقعية للغاية من أجل صناع القرار، ويفترض بهذه السيناريوهات أن تكون صوراً إبداعية لعالم مستقبلي مقبول. وتتضمن السيناريوهات عادةً أوضاعاً منطقية مقبولة، ولكنها - خلافاً لما هو متوقع - تنطوي على أوضاع ومشكلات قد لا تكون موجودة حالياً؛ فالمحللون عادة يختارون سيناريوهات تعتبر ممكنة، ولكنها غير مريحة.
 
يتمثل أحد الأمثلة في سيناريو «دول العالم الجديدة» الذي يتوقع أنه بحلول عام 2050 سوف تبرز خمس قوى عظمى من خلال اضطرابات العقد الحالي، وهي: جمهورية الصين الشعبية، والاتحاد الروسي، واتحاد شمال أمريكي جديد، والهند، واتحاد جنوب أمريكي جديد. وفي هذه السيناريو ستبرز أيضاً قوى إقليمية ذات أهمية لتهيمن على النظام العالمي. ويمكن أن يساعد مثل هذا التوازن الجديد في القوى المحللين الاستراتيجيين على فهم هذا التغير والتعامل معه.
 
يقوم الاستراتيجيون في وضعهم لهذه السيناريوهات القوية بتحديد عوامل التغيير والفرضيات الرئيسية، ومن ثم يختارون إطاراً للتفكير بالمستقبل وتحديد السيناريوهات المقبولة، وبعدها ينتقون أعلى السيناريوهات قيمةً ويقومون باستقصائها وتحليلها، وتحديد المسارات الأساسية للنجاح المستقبلي. وعلى الرغم من بساطة هذه العملية نسبياً لتطوير السيناريوهات فإنها تتطلب قدراً كبيراً من التفكير الخلاق المنضبط. ويتّبع تخطيط السيناريوهات سبع خطوات: (1) تحديد النتائج المطلوبة، (2) شحذ الأفكار من خلال ما يسمى بالعصف الذهني لوضع السيناريوهات (3) وضع خطة أو خريطة للنتائج، (4) ترتيب الأولويات للفرص ومواطن الغموض، (5) تلخيص ما هو مهم للمستقبل، (6) وضع خطة عمل، (7) العمل لإنجاز الأهداف.
 
إن تخطيط السيناريوهات يساعد صناع السياسات على استشراف نقاط الضعف والجمود الخفية في المؤسسات ومناهجها. ويجمع تحليل مثل هذه السيناريوهات بين الحقائق المعروفة، مثل المعلومات الديموغرافية والجغرافية والعسكرية والسياسية والصناعية، إلى جانب القوى المحركة، مثل الاتجاهات الاجتماعية والتقنية والاقتصادية والبيئية والسياسية. وينطوي التخطيط الفعال للسيناريوهات على معرفة أنه يمكن أن تجتمع عوامل متعددة بطرق معقدة بحيث ينتج عنها أوضاع مستقبلية مفاجئة، كما أن تخطيط السيناريوهات يسمح أيضاً بإقحام عوامل ناشئة، مثل الأفكار الثاقبة الجيدة حول المستقبل، والتحولات العميقة في القيم الثقافية، أو الابتكارات الجديدة. كذلك يفضي «تفكير النظم» المستخدم بالتوازي مع تخطيط السيناريوهات إلى طيف أوسع من النتائج الممكنة؛ لأن الربط بين مختلف العوامل يمكن أن يتم تحليله بصورة أفضل من حيث الإنتاجية. ويمكن للقادة من خلال هذا التحليل أن يكونوا أفضل استعداداً لصنع القرارات مع بروز الأحداث.
 
مع وجود الأزمة الحالية في اليمن، وعمليات التحالف المحتملة في سوريا، سوف تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة متطلبات قد تكون متعارضة على مدى العامين القادمين، وقد تتجاذب جهدنا الوطني في اتجاهات مختلفة. وقد تكون الأعوام الثلاثة التالية قبيل إكسبو 2010 أكثر تقلباً مع اقترابنا من واحد من أهم الأحداث في تاريخ دولة الإمارات. وتعتبر السيناريوهات التي تستشرف الثلاثين عاماً المقبلة، حتى نهاية حقبة الاقتصاد الذي يهيمن عليه النفط، أكثر تحدياً، بل وتعد حاسمة بالنسبة لدولة الإمارات. ولعل إدارة مسيرتنا الوطنية، مع ضمان تحقيق مصالحنا الوطنية خلال هذه الآونة المعقدة من الزمن، ستجد عوناً كبيراً لها في تخطيط السيناريوهات والوسائل الأخرى التي تسهم في تعزيز صنع القرارات الاستراتيجية.