الخميس 03 أكتوبر 2019

تُعَدُّ دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدول التي تتصدى للفكر المتطرف على المستويين الإقليمي والعالمي، وتعمل على تفكيكه وتعريته وتجريده مما يستند إليه من ذرائع ومسوِّغات يحاول من خلالها التأثير في عقول الشباب وخداعهم، ودفعهم نحو توجُّهات وأفكار وممارسات تضر بمجتمعاتهم وبلادهم وبالأمن والسلام في العالم. 

منطلقات أساسية

تنطلق دولة الإمارات العربية المتحدة في نهجها لتفكيك الفكر المتطرف من منطلقات أساسية عدَّة لعل أهمها:
1- أن الفكر المتطرف هو مقدمة للإرهاب، وأحد أهم أسبابه؛ حيث يكون أصحاب الفكر المتشدد أو المتطرف هم الأكثر استعداداً للتحول إلى ممارسة العنف دفاعاً عن الفكر الذي يؤمنون به، خاصة إذا تعرضوا لمحاولات للتجنيد من جانب التنظيمات الإرهابية، التي تركز بدورها بشكل أساسي على المتطرفين فكرياً في عمليات التجنيد التي تقوم بها. ومن هنا؛ فإن مكافحة الفكر المتطرف تقع في صميم المواجهة الشاملة للإرهاب، وتمثل نهجاً استباقياً في التصدي للخطر الإرهابي.
2- أن الفكر المتطرف هو المصدر الأساسي للصراعات الدينية والمذهبية والطائفية في المجتمعات المختلفة؛ لأنه يقوم على نبذ الآخر ورفضه؛ وأحياناً تكفيره، ومن ثم إحلال دمه، وتسويغ الإضرار به، أو حتى قتله. وهذا هو الذي يقود إلى تفكيك المجتمعات، ودفعها إلى الاحتراب الأهليِّ على المستوى الداخلي. وعلى المستوى الخارجي، يخلق ويغذِّي نزعات صراع الحضارات والثقافات والأديان؛ ما يهدد التعايش بين البشر على المستوى العالمي، ويزيد من أسباب التوتر والاحتقان في العالم.
3- يُعَدُّ الفكر المتطرف-بما يقود إليه من صراعات وتوترات واحتقانات في المجتمع-أحد أخطر معوِّقات التنمية والتقدم؛ لأنه يعوق تعبئة موارد المجتمعات من أجل تحقيق طموحاتها في التقدم والتطور، ويمنع التوافق الوطني حول طموحات وأهداف ومصالح وطنية عليا يلتف حولها الجميع، ويخلق ثغرات تتسلل من خلالها القوى المعادية للنَّيل من أمن المجتمع وتنميته ومصالحه، وتهديد استقراره.
4- إن الفكر المتطرف-إضافةً إلى كل ما سبق-يسيء إلى الأديان؛ لأن المتطرفين يختطفون الدين، ويقدمون تفسيرات مشوَّهة له، ويرتكبون جرائمهم الفكرية والمادية باسمه. وهذا في الحقيقة، من أسوأ عمليات الاختطاف وأخطرها؛ بالنظر إلى ما يمثله الدين-أيُّ دين-من قوة تأثير في الناس بكل مكان وزمان. وإذا كان التركيز، خلال المرحلة الحالية، على الفكر الديني المتطرف لقوى وجماعات تنتمي إلى الدين الإسلامي؛ فإن هذا النوع من الفكر المتطرف ليس مقصوراً على دين أو عرق أو منطقة جغرافية بذاتها، وإنما وُجِد ويوجد في المجتمعات والديانات كافة بدرجات مختلفة. وقد تناولت هذه القضية-قضية الفكر المتطرف والقوى التي تتبناه والخطورة التي يمثلها-بالتفصيل في كتابي "السراب".

نهج شامل

تتبنى دولة الإمارات العربية المتحدة، في نهجها لتفكيك الفكر المتطرف، مقاربة شاملة، تقوم على جانبين: الأول هو الجانب الفكري-القِيَمي، والثاني هو الجانب العملي-المؤسَّسي.

فعلى الجانب الفكري-القِيَمي عملت دولة الإمارات العربية المتحدة وتعمل على تعزيز القيم المضادة للتطرف؛ ففي الوقت الذي يسيطر فيه التعصب والغلو والانغلاق ورفض الآخر على الفكر المتطرف، أياً كان نوعه أو مصدره، تقوم الدولة بنشر وتعميق وترسيخ منظومة قيم مضادة، عمادها التسامح والاعتدال والتعايش والوسطية وقبول الآخر والانفتاح عليه، والنظر إلى التنوع الديني والطائفي والمذهبي والعرقي على أنه مصدر للتكامل والتعاون والتعارف بين البشر، وليس سبباً للصدام والصراع والاقتتال؛ وهو ما عبَّر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في رسالته التي وجَّهها إلى العالم كله بمناسبة زيارة قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، لدولة الإمارات العربية المتحدة في فبراير 2019 بقوله: "إن الكون يتسع للجميع، والتنوُّع مصدر للثراء؛ وليس سبباً للصراع أو الاقتتال؛ لقد خلقَنا الله متنوِّعين؛ لكي يكمل بعضنا بعضاً، ونتعارف ونتعاون من أجل الخير والسلام والنماء لنا جميعاً".

وإضافة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم نموذجاً حياً للعالم كله في التآلف بين أبناء أكثر من مئتي جنسية يعيشون على أرضها في تسامح ومحبة ووئام؛ فإنها تعمل على تكريس مثل هذه القيم وتعميقها على الساحة الدولية؛ وهو ما جسده التوقيع، خلال زيارة قداسة بابا الفاتيكان والإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف للدولة، لوثيقة تاريخية وفارقة في التاريخ الإنساني هي "وثيقة الأخوَّة الإنسانية" التي تمثل رسالة تعايش وسلام ومحبة بين البشر جميعهم خرجت من أرض الإمارات إلى العالم كله، وأثبتت أنها هي عاصمة التسامح العالمية؛ ولذلك فقد ذكرت في المقال، الذي نشرته صحيفة الاتحاد يوم 5 مارس 2019 بعنوان "دولة الإمارات العربية المتحدة عاصمة عالمية للتسامح"، إنه بعد الزيارة التاريخية لقداسة بابا الفاتيكان والإمام الأكبر شيخ الأزهر لدولة الإمارات العربية المتحدة، وما تمخَّض عنها من نتائج كبيرة لمصلحة السلام والأمن والتعايش في العالم؛ فإن القيادة الإماراتية، وكلاً من قداسة البابا والإمام الأكبر، يستحقون بكلِّ جدارة "جائزة نوبل للسلام".

على الجانب العملي-المؤسسي تتحرك دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة الفكر المتطرف من خلال مبادرات ومؤسسات تقوم في الأساس على التصدي لهذا النوع من الفكر وتفكيكه، لعل أهمها، على سبيل المثال وليس الحصر، إطلاق مؤتمر دبي العالمي للسلام في عام 2010، وإطلاق جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمي عام 2011 بقيمة 1.5 مليون دولار، وافتتاح مركز التميز الدولي لمكافحة التطرف العنيف، المعروف باسم "هداية" عام 2012، الذي يستهدف أن يكون المؤسسة الدولية الأولى للتدريب والحوار والتعاون والبحوث في مجال مكافحة التطرف العنيف بكل مظاهره وأشكاله، وإطلاق منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة عام 2014، وإنشاء "مجلس حكماء المسلمين" الذي يهدف إلى تحقيق السِّلم والتعايش في العالم الإسلامي، ومحاربة الطائفية، وإصدار قانون بشأن مكافحة التمييز والكراهية، في عام 2015، يقضي بتجريم كل أشكال ازدراء الأديان والمقدَّسات وخطابات الكراهية والتكفير، كما يحظر ويجرِّم أشكال التمييز على أساس الدين، أو العقيدة، أو الطائفة، أو المذهب، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، ويضع عقوبات مشدَّدة لذلك. وفي عام 2015 تم إطلاق مركز "صواب"، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مبادرة تفاعلية للتراسل الإلكتروني؛ تهدف إلى دعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد التطرف والإرهاب. وفي عام 2016 اعتمد مجلس الوزراء البرنامج الوطني للتسامح؛ بهدف إظهار الصورة الحقيقية للاعتدال، واحترام الآخر، ونشر قيم السلام والتعايش، وتم استحداث وزارة للتسامح لأول مرة في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2016، وفي عام 2017 تم إنشاء المعهد الدولي للتسامح، وفي عام 2019 جاء إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن يكون هذا العام عاماً للتسامح في تأكيد للإيمان العميق والمطلَق من قبل الدولة وقيادتها الرشيدة بموقع التسامح في نهج مواجهة التطرف والإرهاب، وما يرتبط بهما من شرور لا تقف عند حدود دولة أو مجموعة من الدول، وإنما تستهدف الجميع من دون استثناء.

هذه المبادرات هي أمثلة لما تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال مكافحة الفكر المتطرِّف، كما أنها ليست نهاية المطاف بالنسبة إليها في هذا الخصوص؛ لأن من أهم سمات النهج الإماراتي في هذا المجال أنه نهج متجدِّد ومتطوِّر على الدوام، من منطلق الإحساس العميق بالخطر الكبير للفكر المتطرف، وضرورة التحرك الفاعل والمستمر والمتجدِّد في مواجهته.