الثلاثاء 02 يناير 2018

بوصفي خليفة لعميدنا المؤسس لكلية الدفاع الوطني، الدكتور جون بالارد، كنت محظوظاً بالاستفادة من خدمته. وكان من بين مشاركاته سلسلة من المقالات في مجلة "درع الوطن" منذ أغسطس 2013 وحتى أكتوبر 2016. وأول مشاركتين لي في إرثه هما تلخيص مقالات الدكتور بالارد في أربع كفاءات جوهرية لدى الخبير الاستراتيجي الأمني.

ويركز هذا المقال على الكفاءتين الأُولَيَيْن: استشراف المستقبل، ومعرفة التحديات الاستراتيجية.

يسهم استشراف المستقبل في إيجاد رؤية حول كيف يمكن استخدام القوة الوطنية، حيث يتطلب ذلك تفكيراً مبنياً على الأدلة. ويقوم المشاركون في كلية الدفاع الوطني بدراسة أعمال مشاهير الخبراء الاستراتيجيين، على سبيل المثال، ليس لحفظ النظريات، بل ليتعلموا كيف يفكرون نظرياً إلى جانب استشراف المستقبل، ونحن نقوم بتحليل النظريات بواسطة تحديد الفرضيات والمنطق اللازم لاستشراف الاحتمالات المستقبلية، كما نقوم بتقييم الأدلة والمخاطر لوضع الشروط التي تسهم في تشكيل المستقبل الغامض. ويتمثل أحد أمثلة الدكتور بالارد في تصور واستشراف الأطراف الفاعلة الناشئة والمهمة، مثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويستتبع ذلك القيام بافتراضات حول ما هو عرضة وماليس عرضة للتغيير، بينما نقوم بتحليل طريقنا خلال البيانات والمعلومات. وتتميز هذه الممارسة الأكاديمية بأهمية عملية كبرى؛ لأن مجلس التعاون لدول الخليج العربية له تأثيره في العلاقات الدولية. وثمة سؤال نظريّ آخر طرحه الدكتور بالارد، وهو: كيف تتغير طبيعة الحرب؟ تتطلب الإجابة عن هذا السؤال تحليل القضايا والشخصيات السياسية، والتطورات التقنية، والأنماط الاقتصادية، والاتجاهات الاجتماعية. وللقيام بذلك، يمارس المشاركون التعامل مع التعقيدات وتقديم خيارات إلى صناع القرار الوطنيين. كذلك نقوم بتعزيز الاستقلالية في الأحكام والمسؤولية في صنع القرار، من خلال وضع الاستراتيجية التي ستكون فعالة في المستقبل، لكي نتفوق في تفكيرنا على التهديدات المتكيفة.

أما معرفة التحديات الاستراتيجية فتنظر إلى التفكير الفاعل والمبادر بوصفه مسؤولية فكرية. ففي عصر المعلومات المتميز بتزايد إمكانية الحصول على التقنيات الفتاكة والمؤثرات الاجتماعية، من يتفوق عليك بالفكر يتفوق عليك في القتال. وقد جسد الشيخ زايد بن سلطان – طيب الله ثراه - هذا المثل الأعلى للاستراتيجية الفاعلة، حيث أوضح برؤيته الاستراتيجية العديد من التحديات على طريق بناء دولة الاتحاد. وليس هذا العمق في الرؤية هذا بالأمر السهل، بل يتطلب شجاعة أدبية بلا شك. وعلينا الافتراض بأن المشكلات لا تختفي بنفسها، وأن المشكلات ليست متعذرة على الحل لمجرد عدم إمكانية التنبؤ بها. وفي حين أنه قد يكون من الشائع الإشارة إلى القضايا الراهنة بأنها تكتنفها تغييرات غير مسبوقة، تحفل كل فترة من الفترات الزمنية بالاستثناءات. ومن أهم التحديات التي تواجه منطقتنا اليوم انتشار أسلحة الدمار الشامل، والفساد في إدارة الحكم، وضعف القيادة، والخوف من التغيير. وقد أوضح الدكتور بالارد كيف يقوم قادة دولة الإمارات بحشد القدرات والطاقات الوطنية الكامنة عند الحاجة إليها باستخدام أدوات مثل الخدمة الوطنية، وصناديق الثروة السيادية، والقدرة على إنتاج الأسلحة محلياً. وإن ارتباط هذه التحديات بالمواصفات المطلوبة للمستقبل، كاقتصاد المعرفة مثلاً، يدل على أن بإمكاننا إيجاد مجالات للتعاون والتآزر لتحقيق الغايات التي نصبو إليها. وقد تسهم طريقة صياغة القضايا الاستراتيجية في المساعدة على تحقيق نتائجنا المطلوبة أو في إعاقتها.