الخميس 01 فبراير 2018

في هذا المقال الثاني الذي نسلط فيه الضوء على مساهمات الدكتور جون بالارد في مجلة «درع الوطن» في منصبه عميداً لكلية الدفاع الوطني، أود الإشارة إلى محورين هما «تأطير القضايا الاستراتيجية» و «تنفيذ الاستراتيجية». وإذا ما ضممنا إلى هذين المحورين أفكاراً ولمحات ثاقبة حول «استشراف المستقبل» و «التعرف على التحديات الاستراتيجية»، فإن هذه المحاور الأربعة توفر لنا الكفاءات الأساسية لخبير الاستراتيجيات الأمنية.
 
يتجاوز تأطير القضايا الاستراتيجية مجرد التعرف على وجود تحديات استراتيجية؛ إذ إن التأطير الفعال لقضية ما يسهم في تحديد الظروف والشروط التي يمكن أن تساعد على صياغة شكل المستقبل المطلوب. وتحقيقاً لهذه الغاية، كتب الدكتور بالارد عن مجموعة متنوعة من القضايا، شملت مجالات الفضاء والأمن، والطاقة المتجددة، والديموغرافيا والقوة الوطنية، وتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في اليمن، ومفهوم السيادة والسلطة.
 
وبدلاً من وصف هذه القضايا بأنها إشكاليات تبعث على اليأس، وضعها الدكتور بالارد في أطر الظروف المتغيرة من خلال اتخاذ قرارات هادفة. ففي مقال عن أدوات القوة، على سبيل المثال، وصف الأدوات الوطنية بأنها قدرات تسهم في تحقيق أنواع مختلفة من الآثار المرجوة، ووصف هذه الآثار في إطار ثلاثة أنواع من النتائج – التوفيق والمصالحة، والإقناع، و – إن كان ذلك مبرراً - الإكراه. ويتطلب اتخاذ مثل هذه القرارات تقييم المخاطر وتولي مسؤولية تحمل المخاطر. ومن شأن القرارات المتوازنة أن تتفادى التهور في الاستراتيجيات الأيديولوجية والعجز عن السعي لتحقيق استراتيجيات مضمونة علمياً.
 
تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة محظوظة؛ لأن لديها إرثاً من الاستراتيجية الأمنية الشاملة والطموحة ضمن رؤية قابلة للتحقيق. ولا يتاح ذلك ببساطة من خلال الاعتراف بوجود مشاكل، وإنما يتم تحقيق الأهداف؛ لأن القادة يضعون أطراً للقضايا الاستراتيجية من حيث ما يمكن عمله لمواجهة وضع ما، وإذا ما استمر هذا الإرث، فإن تهيئة ظروف المبادرة الاستباقية ستسهم في تمكين عملية صنع القرار وتوجيه التنفيذ.
 
ويمكن بعد ذلك أن يصبح تنفيذ الاستراتيجية استباقياً يتميز بروح المبادرة فيما يتعلق بالنطاق والتوقيت، وبالمرونة في التكيف من حيث الغايات المنشودة والطرق والوسائل. وقد ناقش الدكتور بالارد عدة جوانب من التنفيذ، مثل تحقيق الأمن البشري من خلال القوة الناعمة، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع عناصر القوة الوطنية، وتوظيف الائتلافات، وبدء الاتصالات الموثوقة، والتعامل مع الغموض من خلال القيادة الإبداعية التي تدير التغيير. ويتسم كل واحد من هذه الأمثلة بسعة النطاق، ويتطلب تنسيقاً نشطاً عبر الحدود البيروقراطية، تماماً كما يتطلب التعرفُ على التحديات الجديدة سعةً في أفق التفكير. كذلك يجب أن يتميز التوقيت بالمبادرة والاستباقية؛ لأن الخصوم يسعون للظفر بفرص لامتلاك المبادرة. وبما أن التنفيذ تفاعلي، فلا بد لنا من مراعاة المرونة في تقييم عملية الاستراتيجية برمّتها: ما نريد تحقيقه، وكيفية تحقيق ذلك، ومتى ينبغي اتخاذ القرارات. كما ينبغي أن نقوم بذلك كله بإصرار ودقة وبسرعة تفوق سرعة خصومنا.
 
أدت الحاجة إلى وضع استراتيجيات فعالة، والتخطيط في بيئة أمنية ديناميكية، إلى إنشاء كلية الدفاع الوطني في عام 2013. وقد قام الدكتور جون بالارد، تحت اشراف ومتابعة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وسعادة اللواء الركن طيار رشاد السعدي، بوضع منهج يتناول التهديدات والفرص والتحديات الخطيرة. ويظل تركيز الكلية منصبّاً على تطوير أغلى وأقوى موارد البلاد وثرواتها، وهو شعبنا. ففي كل عام، يشكل الأفراد الموهوبون من مختلف المنظمات والتخصصات مجموعة من المشاركين من خريجي الدراسات العليا. ونحن نسعى جاهدين - جنباً إلى جنب مع أعضاء هيئة من ذوي الخبرة والالتزام - لتطوير وإعداد قادة يستوعبون الغموض السائد في عالم معقد، ويتصفون بالجرأة والشجاعة في استشراف المستقبل والتعرف على التحديات، كما يؤطرون القضايا بطرق تؤدي إلى وضع استراتيجيات قابلة للتنفيذ.