السبت 01 فبراير 2014

يرى ابن خلدون ونيقولا ميكيافيلي وغيرهما من المنظّرين الواقعيين أن "حوار الميلونيين"- الوارد في كتاب ثيوسيديدز، ومفاده أن "الأقوياء يفعلون ما يشاؤون، وأن الضعفاء يعانون ما يجب أن يعانوه" – يوضح عاملاً جوهرياً في السياسة الدولية. فهم يرون أن القوة هي العامل المهيمن بين الدول والمحدِّد الرئيسي للنتائج العالمية. ويعترف الواقعيون بأن الاقتصاد القوي يعد عاملاً أساسياً في قوة الدولة ونفوذها، كما يؤكدون أيضاً على العلاقة بين النمو السكاني والقوة الوطنية.
 
ويعتبر عدد السكان شكلاً من أشكال القوة الوطنية الكامنة. فقد أكد فيرناند بروديل على التأثير القوي للعوامل البطيئة التطور ولكنها شبه دائمة في نمو الدول، وقد ساعدت أفكاره على نشوء نظرية الأنظمة العالمية. فإذا ما أخذنا بآراء هؤلاء المنظرين المختلفين معاً نجد أنهم يركزون على الديمغرافيا باعتبارها تحدياً استراتيجياً بطيء الحركة، ولكنه تحد مهم، تواجهه دولة الإمارات العربية المتحدة في الوقت الحاضر.
 
إن الديمغرافيا – التي هي دراسة التغيرات السكانية – تقدم لنا أدوات لأجل مجموعة من القضايا الاستراتيجية من خلال  تحليل نسبة المواليد ومعدل الوفيات والهجرة. فنسبة الخصوبة أو المواليد تتعامل مع عدد الأطفال المولودين، ومعدل الوفيات يوضح أسباب الوفيات ونتائجها، أما الهجرة فتقوم بتقييم حركة الأشخاص عبر الحدود السياسية. يرى البروفيسور جاك جولدستون أنه حينما تتقلص قوة العمل ويزداد الإنفاق على الرفاهية تتباطأ اقتصادات العديد من القوة الكبرى التقليدية، ومن المتوقع أن تتقلص القوى العاملة اليابانية والروسية وحتى الصينية، مما يحد من قدراتها الاقتصادية ويقيد قوتها الوطنية. ولعل اتخاذ إجراء الآن يمكن أن يؤثر في الطريقة التي تجتاز بها دولة الإمارات العربية المتحدة مثل هذه التغيرات.
 
تبلغ نسبة خصوبة الإحلال، وهي المعدل الذي يكون فيه لدى الكبار عدد كاف من الأطفال ليحلوا محلهم، 2.33 طفل عالمياً، ومدلول هذه النسبة هو أن النمو السكاني العالمي يتجه نحو مستوى الصفر. جاء ترتيب دولة الإمارات مؤخراً الـ 91 من أصل 224 دولة بمعدل خصوبة يبلغ 2.37. وكانت النيجر (7.03) الأولى على صعيد الخصوبة عالمياً. وبعد الإمارات تأتي المملكة العربية السعودية (2.21)، وفرنسا (2.08)، والولايات المتحدة الأمريكية (2.06)، وجاءت سنغافورة (0.79) في آخر القائمة. أما معدلات الوفيات – وهو عدد الوفيات في عدد سكان محدد لكل 1000 شخص سنوياً – فهو 8.3 في المتوسط. وتدل مقارنات معدلات الوفيات أن دولة الإمارات هي الأفضل (الأخفض) في العالم بمعدل 0.9، والأسوأ هي ليسوتو (21.5)، تتبعها أفغانستان (18.2)، أما فرنسا (8.6) والولايات المتحدة الأمريكية (8.1) فهي في المنتصف، وتشمل بقية الدول الأفضل الكويت (1.8)، وقطر (1.1). وهكذا إذا أخذنا هذه العوامل في الاعتبار نجد أنه لا بد أن يستمر عدد المواطنين الإماراتيين في النمو.
 
تدل معدلات الهجرة على الاختلاف بين المهاجرين والوافدين في أي دولة بالنسبة إلى كل 1000 مواطن من السكان، ويدل تحليل معدلات الهجرة على أن دولة الإمارات تحتل المرتبة الثانية في احتوائها على معدل 24.4 مهاجراً مقابل كل ألف مواطن. ونجد كذلك أن الولايات المتحدة (2.92) وفرنسا (1.48) هما في الوسط، ولكن المملكة العربية السعودية هذه المرة هي في أسفل القائمة (-6.82). وإذن فعلى الرغم من أن عدد المواطنين سيزداد رويداً رويداً (معدلات الخصوبة مخصوماً منها معدلات الوفاة)، فإن ضخامة أعداد الوافدين القادمين إلى دولة الإمارات تدل على أن الهجرة مستمرة لتطغى على النمو السكاني المحلي.
 
وهكذا نجد أن الديمغرافيات تظل محل اهتمام لدولة الإمارات العربية المتحدة من جهتين: من حيث إن ثروة الدولة تنتقل من النفط إلى مصادر أخرى للقوة الاقتصادية (التي تتطلب عموماً قوة بشرية)، ومن حيث إن العدد القليل للمواطنين لا بد أن يتحمل حصة كبرى دائماً من عبء تنفيذ العمليات الرئيسية للدولة، حتى مع استمرار تزايد العدد الإجمالي للسكان. لا ريب في أن الدول الأخرى سينتهي بها الأمر على الأغلب إلى التراجع حينما يتبين أنها لا تملك قدرات كافية للتعامل مع التغيرات السكانية. لكن دولة الإمارات تستطيع – من خلال الرؤية الصائبة والمستمرة – أن تحافظ على المسار الصحيح، وتتصدى لهذا التحدي الديمغرافي، وتحقق نمواً أقوى، ولكن مما لا ريب فيه، أنه لا بد من التصدي لذلك•