الأربعاء 04 يناير 2017

وتستمد الدولة قوتها من عدة عناصر مختلفة. وقد استخدم كولين جراي المصطلحين “الخشنة” و “الناعمة” عند وصف قوة الدولة. فاستخدام القوة الخشنة يمكن الدول من استخدام العصا والجزرة للحصول على ما تريد عن طريق استخدام القوة أو التهديد باستخدامها. أما القوة الناعمة (أو النفوذ) فتعني القدرة على إجبار الدول على التصرف بطريقة معينة طواعية ودون اللجوء إلى استخدام القوة. ويرى جراي أن القوة الخشنة تنطوي على أرباح وخسائر محسوبة، بينما يؤتي النفوذ مفعوله عن طريق الإقناع والأفكار الجذابة.
 
وقد قيست قوة الدولة على مر التاريخ بتطبيق معايير معينة مثل عدد السكان والمساحة والموارد الطبيعية والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية والاستقرار الاجتماعي ولكن تلك المعايير تغيرت بفضل التطورات التكنولوجية الجديدة. وتتسم بعض مظاهر قوة الدولة بالثبات وعدم التغيير، وتعتبر عوامل الجغرافيا والموارد الطبيعية من أبرز هذه المظاهر. ومثلما حبا الله دولة الإمارات بموارد وثروات وفيرة وموقع جيواسترتيجي عالمي على قدر عال من الأهمية، نجدها تتعرض، في المقابل، لتحديات صعبة تتمثل في قلة الأراضي الصالحة للزراعة وقرب المسافة بينها وبين جارتها الشمالية ذات الميول العدوانية. ورغم إمكانية التحكم في مدى تأثير هذه الحقائق إلا أنه لا يمكن تغييرها.
 
أما بالنسبة إلى الموارد الأخرى، مثل عدد السكان، فتحتل قدرا كبيرا من الأهمية ولكن من الممكن التحكم فيها. فقد عمدت كل من سنغافورة والصين إلى تطبيق سياسات معينة من شأنها تطويع عدد السكان بما يخقق الأهداف الاقتصادية. ويؤدي تزايد عدد السكان، في الأغلب الأعم، إلى زيادة القوة الكامنة لدى الدولة ولكن زيادة عدد السكان بما يتجاوز الموارد الغذائية والمائية وموارد الطاقة المتاحة للدولة تؤدي إلى إضعاف قوة الدولة. وبالنسبة إلى دولة الإمارات علينا فنجدها تواجه تحديا آخر يتمثل في زيادة عدد سكانها من غير المواطنين، وهو العامل الذي يمكن أن يشكل عاملا إيجابيا أو سلبيا بالنسبة إلى قوة الدولة تبعا للسياسات التي يتم تطبيقها.
 
أما بالنسبة إلى مصادر قوة الدولة الأخرى التي يمكن تطويعها والتحكم فيها فتشمل الإمكانيات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية أو الثقافية. وتعني القوة الاقتصادية مدى قدرة الدولة على استخدام نفوذها اعتمادا على ثروتها، إما المباشرة التي تشمل استغلال أدوات مثل الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أو غير المباشرة عن طريق عمليات مثل التحكم في سعر النفط أو سعر الصرف الخاص بالسلع. وتعني القوة السياسية استقرار نظام الحكم لدى الدولة ومدى قدرتها على تنفيذ سياساتها الخارجية بطريقة فعالة. فالدول التي تتمتع بنظام حكم طوبل قوي ومتماسك تعتبر دولا أكثر استقرارا، بل وأكثر قدرة على الإقناع عندما تعلن أو تحقق أهدافها السياسية المتوافقة الخالية من التناقض. وعادة ما يتم قياس القوة العسكرية استنادا غلى الحجم والتدريب والإمكانيات التكنولوجية المتاحة لدى الوحدات العسكرية للدولة، ولكن هذا القياس ربما كان خداعا لأن إرادة تلك الوحدات وإصرارها على القتال والصمود والبقاء هما أهم عاملين مطلوبين في ميادين القتال. 
 
أما بالنسبة إلى القوة الاجتماعية أو الثقافية فهي أكثر صعوبة من حيث تعريفها ولكنها عادة ما تكون انعكاسا للشكل الذي ارتضه الدولة لنفسها. وفي حالة دولة الإمارات، تلعب القوة الثقافية للشخصية الإماراتية دورا مهما في استخدام القوة والنفوذ ربما بدرجة أكبر من الدول الأخرى المماثلة لحجمها. وقد أدرك القادة مؤخرا أن قوة المعلومات وتأثيرها من أهم المحددات الرئيسية لقوة الدولة. وقد جرى استخدام المعلومات لسنوات عديدة لتحقيق مزايا أو فوائد استراتيجية والتحكم في مجريات الأحداث لأسباب تتعلق بالأمن القومي. فإذاعة “صوت أميركا” والإذاعة البريطانية “بي بي سي” وتليفزيون “آر تي” الروسي مؤخرا تبث برامجها بلغات متعددة إلى جميع أنحاء العالم بهدف إيصال رسالة استراتيجية من الدول الراعية لها إلى كل شعوب العالم. واليوم، تأتي الإمكانيات الإلكترونية (السبرانية) لتؤمن فرصا ضخمة ومخاطر جمة باعتبارها العمود الفقري لقوة المعلومات.
 
وجاءت العمليات العسكرية في اليمن لتثبت القوة الخشنة التي تتمتع بها دولة الإمارات، وليس هناك أدنى شك فيما يتعلق بقدرة دولة الإمارات على استغلال نفوذها الكبير بين الدول الأخرى عن طريق إعطاء المثل أو اتخاذ موقف يتفق مع قيمها الثقافية. يعتبر قيام الدولة ببناء قوة فعالة ومؤثرة على المدى الطويل بهدف تحقيق المصالح الوطنية عملية صعبة ومعقدة ولكنها مهمة لتحقيق النجاح. ويجب علينا كلنا أن نواصل الجهود الرامية إلى تكريس وتعزيز قوة الإمارات بكل أشكالها.