الأحد 01 مارس 2020

برزت الحاجة الملحة إلى تضافر العمل الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على مكانتها نظراً لصغر مساحة تلك الدول المقرون بالثروة التي تنعم بها، في ظل وجود تهديدات أمنية تحيق بها. وبالتالي، بات مفهوم التكامل لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أمراً ملحاً أكثر من أي وقت مضى. وقد خضع مفهوم التكامل إلى نقاش وبحث على نطاق واسع منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وخلال العقدين الأخيرين بعد عام 1945 انقسم النقاش عن التكامل ضمن موضوع العلاقات الدولية إلى مدرستين أو نظريتين متقابلتين هما: النظرية الواقعية والنظرية التكاملية. حيث تنادي الأولى بأنه يجب أن تركز دراسة العلاقات الدولية على الدولة أو الدول القومية، لأنها الجهة الفاعلة المؤثرة. ومن ناحية أخرى، يؤمن دعاة النظرية التكاملية بأن الدولة تستطيع أن تحقق أهدافاً مختلفة على المستوى الدولي من خلال التكامل مثل الارتقاء بمستوى رفاه الشعب. وبالتالي، فإن الدولة ليست الجهة الفاعلة الوحيدة في العلاقات الدولية.
تعريف مفهوم التكامل
من أبرز منظري التكاملية في الخمسينيات والستينيات كارل دويتش، وإرنست هاس (رياض، 2007). ووفقاً لدويتش، فإن التكاملية عملية قد تفضي إلى حالة يكتسب فيها مجموعة من البشر تعيش ضمن إقليم ما الشعور المجتمعي والمؤسسي، وتمارسه بقوة بما يكفي لضمان حدوث تغير سلمي مستمر في البشر في ذلك الإقليم وفقاً لتوقعاتهم تماماً" (دويتش، 1957).  وقد نفذ دويتش دراسة لعشرة حالات بالتعاون مع باحثين آخرين في جامعة برينستون. وكانت هذه الحالات: الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1789، والاتحاد في فترة ما بعد الحرب الأهلية، واتحاد إنجلترا وإسكتلندا في عام 1707، وتفكك الاتحاد بين إيرلندا والمملكة المتحدة عام 1921، وتوحيد المانيا في عام 1871، وتوحيد إيطاليا في الفترة 1859-1860، وتفكك الإمبراطورية في عام 1918، والاتحاد النرويجي السويدي في عام 1814 وتفككه في عام 1905، والتكامل السويسري التدريجي الذي تحول إلى اتحاد لاحقاً عام 1884، واتحاد إنجلترا وويلز بعد عام 1485 وظهور إنجلترا في العصور الوسطى. وخلصت الدراسة إلى أن هناك مفهومين هما مفهوم التكامل ومفهوم الاندماج الكلي " والمفهوم الأول يعنى بتشكيل المجتمعات أما الثاني فيعنى بإنشاء المؤسسات السياسية أو المنظمات أو العلاقات" (مخاوي، 1991).

وبناء على ذلك، يمكن تصنيف المجتمعات الدولية على أنها إما مندمجة أو تعددية. ووفقا لدويتش (1957، (تم الاستشهاد به في (هارفي, 2011)) فان المقصود بالاندماج " الاندماج الرسمي لوحدتين أو أكثر من وحدات مستقلة سابقاً في وحدة واحدة أكبر، مع وجود نوع من الحكومة المشتركة بعد الاندماج. وقد تكون هذه الحكومة المشتركة إما وحدوية أو اتحادية. والولايات المتحدة في عصرنا هذا هي مثال على النوع المندمج. وأصبحت وحدة حكومية واحدة من خلال الاندماج الرسمي لعدة وحدات مستقلة سابقاً. ولديها مركز أعلى واحد لصنع القرار".  بينما نجد أن المجتمع الأمني التعددي وفقاً لدويتشه (1957)، "يحتفظ بالاستقلال القانوني للحكومات المنفصلة".

وتعتمد إقامة مجتمع أمني تعددي على ثلاثة ركائز: (أ) توافق القيم الرئيسة؛ و (ب) الاستجابة المتبادلة؛ و(جـ) التنبؤية المتبادلة للسلوكيات (كوستوبولوس، 1997). ويمكن تحقيق هذه المجتمعات وفقاُ لما يؤكده دويتش من خلال منهجيات مختلفة مثل الغزو، أو الاتفاق الصريح، أو التوطين التدريجي، أو الخروج بمنهجيات جديدة تعتمد على هذه العوامل. ولكي تنجح المجتمعات الأمنية السابقة الذكر، هناك اثنا عشر شرطاً سابقاً يجب أن تكون متوافرة وفقاً لدويتش وزميله. وهذه الشروط هي:
1. التوافق المتبادل والقيم الرئيسة.
2. طريقة حياة مميزة.
3. توقعات لروابط أو مكاسب اقتصادية أكبر.
4. زيادة ملحوظة في القدرات السياسية والإدارية لبعض الوحدات المشاركة على الأقل.
5. نمو اقتصادي فائق من جانب بعض الوحدات المشاركة على الأقل.
6. روابط تواصل اجتماعي وثيقة، سواء بحكم الجوار الجغرافي بين الأقاليم أو بحكم التواصل بين مختلف الطبقات الاجتماعية.
7. توسيع نطاق النخبة السياسية. 
8. تنقل الأشخاص على الأقل بين الطبقات ذات الصلة سياسياً.
9. تعددية الاتصالات والمعاملات.
10. التعويض عن تدفقات الاتصالات والمعاملات.
11. تبادل متكرر معقول لأدوار المجموعات.  
12. تنبؤ متبادل كبير بالسلوك (ستب، 2014)
ومن النتائج التي تمخضت عنها الدراسة أن تحقيق وإدامة المجتمع التعددي أسهل مقارنة بالمجتمعات المندمجة. 

وتشير النظرية الوظيفية الجديدة إلى أن الدافع للتكامل بين الدول هو استقلاليتها. ولتعزيز عملية التكامل فانه من الضروري وجود جهات مجتمعية فاعلة تتبنى مفهوم الولاءات والمصالح فوق الوطنية. وينبع هذا المفهوم من النظرية الوظيفية لديفيد متراني. وقد تطور نهج التكامل الذي استحدثه كبديل لنهج الاتحادية السائد بحلول منتصف القرن الماضي (ألكسندريسكو، 2007).   
ووفقاً لـ (هاس، 1958) يعرف التكامل على أنه عملية، ''حيث يتم إقناع الجهات الفاعلة السياسية في العديد من البيئات الوطنية المحددة لتحويل ولاءاتهم وتوقعاتهم وأنشطتهم السياسية نحو مركز جديد، تمتلك مؤسساته أو تحتاج ولاية عامة على الدول الوطنية الموجودة من قبل"(ص 16). ويقول هاس إنه خلال عملية التكامل يتم تحقيق مصالح الجهات الفاعلة من خلال عملية تعددية.

وإضافة إلى جهود الباحثين المذكورين أعلاه، فقد اقترح جوزيف ناي تعريفًا آخر للتكامل. ويستند نهجه على تجزئة فكرة أو مفهوم التكامل إلى أجزاء قابلة للقياس. وهذه الأجزاء هي عمليات تكامل اقتصادية واجتماعية وسياسية تؤدي إلى تأسيس اقتصادات ومجتمعات عبر وطنية وترابط سياسي.
الخلاصة
وبالنظر إلى الأدبيات والنظريات التي تتناول مفهوم التكامل، من الواضح أن القادة السياسيين يضطلعون بدور بارز في نجاح التكامل. فالفهم المتبادل والثقة والتواصل أمور مهمة. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على تشكيل مجلس التعاون الخليجي. حيث أن هنالك مستوى عال من التواصل بين القادة، وساعد هذا التواصل بشكل كبير في تأسيس المجلس. كما إن المستوى العالي من تشابه الأنظمة السياسية بين دول الخليج العربي له دور مهم أيضاً في تحقيق التكامل. ولذلك، فإن " التكامل على مستويات عالية يعتمد على درجة عالية من التواصل بين النخبة" (مكاوي، 1991). وبالإضافة إلى تأثير النخبة، فإن التشابه الثقافي عامل أساسي في تعزيز مفهوم التكامل بين الدول. فالتشابه بين اللغة والدين والعرق موجود في حالة دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن على الرغم من القواسم المشتركة بين الدول، لم تتحقق الوحدة المنشودة. وثمة عامل رئيسي آخر قد يمثل دافعاً للتكامل وهو طبيعة التهديدات التي تواجهها الدول. واهم عامل كما يزعم الخبراء هو أن هنالك ظروف أساسية يجب توفيرها أولا للحصول على تكامل ناجح.