الأحد 10 أكتوبر 2021

لوحظ في الآونة الأخيرة تسارع وتيرة الأحداث والتحركات السياسية في الشرق الأوسط، ولقد شغل ملف أفغانستان العالم بأسره، حيث ساهم الانسحاب الأميركي من أفغانستان في تغيير اللعبة السياسية والعسكرية والأمنية، وكان هناك تخوف كبير في العديد من الدول من هذا الانسحاب وخاصة دول الجوار لأفغانستان، حيث أفضى انسحاب القوات الأمريكية بعد قرابة عشرين عاماً في الأراضي الأفغانية إلى خلق نوعاً من الفوضى. لقد أضحت أفغانستان خارطة صراع كبيرة متمثلة بالعديد من الدول منها إيران وتركيا وروسيا والصين وباكستان. كما إن تهافت تلك الدول على الانفتاح على اقامة علاقات دبلوماسية مع طالبان ما هو إلا دليل على مدى أهمية استلام طالبان للحكم ومدى تأثيره على دول الجوار الأفغاني. لكن السؤال المهم بعد الانسحاب الأمريكي: هل ستتغير خارطة التحالفات في العالم وتحديداً في الشرق الأوسط؟ ومن الذي سيشغل مقعد الدور الأمريكي في المنطقة؟

التحـــــالف العربي
يشكل التحالف العربي المكون من مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة المنسق مع بعض الدول العربية تحالفاً استراتيجياً مهماً في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وإن وجود هذا التحالف أمر حتمي وضرورة استراتيجية لعدة أسباب من أهمها: 
مواجهة التمدد الإيراني وتدخله في شؤون بعض الدول العربية مثل اليمن والعراق وسورية ولبنان، حيث تستعد إيران منذ الانسحاب الأمريكي من المنطقة لبسط نفوذها من خلال المليشيات الشيعية والبروز كدولة إقليمية عظمى، 
منع التدخل والتوسع التركي في المنطقة العربية وخاصة في سورية وليبيا، حيث توظف تركيا الإسلام السياسي لبسط نفوذها في الوطن العربي،
مواجهة تحديات الإرهاب ومكافحته بكافة أشكاله وصوره، 
إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال عقد اتفاقيات السلام كاتفاقية السلام الابراهيمي. 

ويعد التحالف العربي داعم أساسي لتحقيق وحدة المصير العربي، ويملك رؤية مشتركة مبنية على أسس وقواعد سياسية صحيحة وعزز موقفه بالوقوف كـ سد منيع في مواجهة التحديات والتهديدات. ويركز أيضاً على تحقيق رؤية استراتيجية شاملة ضد الإسلام السياسي، كونه يمثل الخطر الحقيقي ضد المصالح والوحدة العربيّة. إن تحرك التحالف العربي مهم ومطلوب في أفغانستان من خلال فتح علاقات استراتيجية مع طالبان وتأمين المدى والعمق الاستراتيجي للخليج، ويتم بعدة وسائل منها استخدام القوة الناعمة في أفغانستان وتعزيز الشراكة الدبلوماسية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد أدى التقارب التركي القطري المصري إلى تهدئة الخلافات السياسية وتمهيد التقارب مع باقي أعضاء التحالف العربي، حيث سعت دولة الإمارات العربية المتحدة للتواصل وإعادة فتح العلاقات مع تركيا وقطر متمثلة بزيارة مستشارها للأمن الوطني للتباحث حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. بالإضافة لذلك، استغلت دولة الإمارات العربية المتحدة قوتها الناعمة في إرسال المساعدات الإنسانية لأفغانستان ولحكومة طالبان، إضافة الى استقبال اللاجئين الأفغان في دولة الإمارات العربية المتحدة. ولرأب الصدع العربي في مواجهة التحديات الإقليمية، بادرت المملكة العربية السعودية لاستعادة العراق إلى الحضن العربي بدعمها أمنياً واقتصادياً وسياسياً باعتبارها عنصراً رئيساً في التوازنات الإقليمية.

التحالف التركي القطري
يعتبر التحالف التركي القطري من أهم وأبرز التحالفات الاستراتيجية على مستوى المنطقة، حيث تحقق هذا التحالف من خلال معادلة الدور القطري والمشروع التركي، وهو قائم على المصالح والغايات المشتركة. فالإستراتيجية العامة التي تقوم عليها الدوحة فيما يخص الشأن السياسي تعتمد على فرضيات بعيدة المدى والتأثير على الساحة الدولية، حيث نجد أن دور الوساطة القطرية كان لاعباً استراتيجياً مهماً وفعالاً من خلال اجراء العديد من المباحثات بين طالبان والحكومة الامريكية في الدوحة. كما استضافت قطر العديد من جلسات المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية. وتتجلى أهمية الملف الأفغاني من خلال قيام قطر بفتح مكتب خاص لطالبان في الدوحة منذ فترة طويلة. حيث استخدمت قطر كافة الوسائل الدبلوماسية كي يُقبل بها كوسيط من قبل الطرفين، وركزت من خلال المفاوضات على دعم عملية تسوية النزاعات وإدارة الصراع بالسبل السلمية، وذلك لتحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان وتحقيق التسوية السلمية بما يتماشى مع القوانين الدولية. لقد انتهت حقبة من المشهد الأفغاني بسيطرة طالبان على البلاد وكان الرابح الأكبر في هذا المشهد هو الدور الإقٌليمي الفاعل لدولة قطر (المقاول الأمني)، من خلال استخدامها لاستراتيجيات الوساطة وقد نجح هذا الدور من خلال توظيفها للإسلام السياسي والوصول إلى حلول استعادت من خلالها طالبان السيطرة على البلاد.

أما تركيا، فتركز على الإسلام السياسي من خلال مشروع حزب العدالة والتنمية التركي الذي يحاول بشتى الوسائل جعل تركيا كـقوة إقليمية كبيرة تضطلع بدور الوسيط وربطها بين الغرب ودول العالم الإسلامي، حيث تريد تركيا أن تصبح في زعامة العالم الإسلامي من خلال استخدامها القوة الناعمة ومحاولات التواصل مع العديد من الجماعات الإسلامية. ويستمد التحالف القطري التركي القوة من خلال دعمه الكامل لحركات الإسلام السياسي. كما إن قطر وتركيا حليفان قويان للولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن الأخيرة تستخدم العديد من القواعد العسكرية في هذين البلدين. ومن هنا اضطلع التحالف الثنائي بدور كبير في أفغانستان من خلال وجود القوات التركية هناك واشرافها على تأمين مطار كابل. إن الوجود التركي في أفغانستان جاء بدعم أمريكي وذلك للعمل على منع التدخل الإيراني الروسي الصيني، ومن هنا انتهزت تركيا الفرصة لتحقيق نفوذها كقوة إقليمية، وأن تكون وسيط قوي بين دول الاتحاد الأوربي وطالبان من جهة وبين طالبان وأمريكا من جهة أخرى. من هنا، بدأت تركيا بالعديد من التحركات السياسية في إطار استراتيجية تهدف إلى استعادة وتحسين علاقتها مع مصر ودول الخليج العربي، آخذة بعين الاعتبار المصالح المشتركة مع هذه الدول، ولتحسين وضعها الاقتصادي المتأرجح بغض النظر عن الاختلافات السياسية.

الموقف الإسرائيلي
من المؤكد أن اسرائيل تقرأ التحالفات الاقليمية في الشرق الأوسط قراءة صحيحة وبدقة وتسعى لتحقيق مصالحها، وترى إسرائيل على انها ستتبوأ مقعد الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة نظراً لقوتها الاقتصادية وقوة وحداثة ترسانتها العسكرية ولامتلاكها للسلاح النووي ولقربها الجغرافي إضافة لإبرامها اتفاقيات سلام وتطبيع مع عدد من الدول العربية، ما يزيد من نفوذها السياسي ويخرجها من عزلتها لتصبح حليف استراتيجي مهم في المنطقة وبدعم من الإدارة الامريكية. وتأتي وجهة النظر الاسرائيلية من هذه التحالفات إلى توجيه أنظار العالم إلى خطورة نشاط الحكومات الإسلامية المتطرفة كحكومة طالبان، ما قد يؤدي إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ولاية خرسان الافغانية. وتدرك اسرائيل الهواجس الأمنية لدول الجوار كاستغلال طهران للانسحاب الأمريكي من خلال ميليشياتها ونفوذها في المنطقة، والسعي بشكل متسارع لإنتاج السلاح النووي، ما يهدد أمنها في المقام الأول وأمن جيرانها الخليجيين ويمثل الخطر الاستراتيجي الحقيقي على أمن منطقة الشرق الأوسط والعالم.

لذلك، تسعى إسرائيل لإنشاء تحالف مع التكتلات الإقليمية في المنطقة من خلال عودة العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة بعد تغيير الحكومة في تل أبيب، وهذا من المؤكد أن يحسن العلاقات المتوترة مع تركيا ويكسبها حليف استراتيجي قوي نظراً للوزن الإقليمي لتركيا في المنطقة، بالإضافة إلى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد لمصر، والتي تعد الأولى من نوعها منذ عام 2011، لتأييد الموقف المصري تجاه حماية المنطقة من الاطماع الخارجية ولمواجهة الخطر الإيراني والجماعات المتطرفة. ومن هنا يأتي هذا التحالف لتحقيق المصالح الأمنية الإقليمية المتبادلة لإسرائيل والدول العربية، والوقوف ضد المصالح والتدخلات الإيرانية في العديد من الدول العربية، واتخاذ خطوات جديدة لكبح الدور والنفوذ الإقليمي لإيران.

الخاتمة
وفي الختام، ويبدو أن هناك تحالفات جديدة ومهمة تبدو في الأفق على صعيد الخارطة السياسية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، فهل ستشهد هذه التحالفات تقارباً بين التحالف العربي والتركي القطري -ككتلة سنية عظمى؟ وهل ستتحالف إسرائيل مع التحالف العربي يداً بيد لكبح جماح الاطماع الإقليمية والدولية؟