الأربعاء 01 أبريل 2015

يدرك القادة الإستراتيجيون أن الإستراتيجية صعبة؛ ذلك أن الاستخدام الفعال للدبلوماسية، والقدرات العسكرية، والقوة الاقتصادية، والمعلومات، على المستوى الوطني يتطلب تزامناً ماهر وتوازناً بارعاً. وعلى الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة محظوظة بما لديها من ثروات، في الوقت الذي لا تملك فيه معظم الدول الأخرى سوى موارد قليلة وعدد قليل نسبياً من السكان في عصر مهدد بالتضخم السكاني، فإن التوازن الاستراتيجي ما يزال حاسماً من أجل تجاوز التحديات القادمة، وضمان النجاح الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة في المستقبل كما كانت محظوظة في الماضي.
 
كان أحد الاستنتاجات الرئيسية التي توصل إليها كارل فون كلاوزفيتز هو إدراكه أنه ينبغي مواجهة الصراع دائما من قبل «ثالوث رائع» يضم الحكومة والقوات المسلحة والشعب، وينطبق الأمر نفسه على الإستراتيجية. ففي الصراع والإستراتيجية، يتعين على الحكومة وضع غاية للإستراتيجية، بينما توفر المؤسسة العسكرية والهيئات الاتحادية الأخرى السبل لتحقيق الغاية الإستراتيجية، أما الشعب فيمثل الوسيلة. وتعد هذه الثلاثة جميعاً أذرع لا غنى عنها لثالوث واحد لا غنى عنه لأن اختلال التوازن بين الثلاثة يمكن أن يكون له آثار كارثية على المبادرات الوطنية.
 
لا بد من أن يتحقق التوازن داخلياً وخارجياً، وينطوي التوازن الداخلي عادةً على تعزيز المرونة الوطنية من خلال تنمية الموارد الاقتصادية والتحسينات التكنولوجية العسكرية. ويسهم تعزيز القدرات الداخلية في تحسين الاستجابة للتهديدات ويرفع من شأن الدولة داخل النظام الدولي. ويمكن أن تشمل هذه التحسينات للتوازن الداخلي الجهود الرامية إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي أو الحوافز لزيادة عدد السكان (كحد أدنى، النسبة المئوية للسكان المعنيين بالمجال الأمني، وذلك من خلال الخدمة الوطنية، على سبيل المثال).
 
فقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أن «شعب الإمارات وقيادته وجيشه يد واحدة.. وقلب واحد..وفريق واحد لبناء مستقبل واعد لدولة الإمارات». وصرحت معالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي أيضاً بأن» قيادة وشعب دولة الإمارات يدركان الدور التاريخي الذي تؤديه القوات المسلحة، والتحدي الهائل الذي تواجهه وسط عالم يعاني الصراعات والتهديدات.» وتمثل الاستجابة الإيجابية الأخيرة لنداء الخدمة الوطنية مؤشراً قوياً آخر على اللُّحمة بين شعب دولة الإمارات العربية المتحدة وقواتها المسلحة، مما يدل على التوازن الداخلي الذي تسعى إليه دولة الإمارات العربية المتحدة.
 
أما التوازن الخارجي فينطوي على تعزيز التحالفات والعلاقات الإستراتيجية وتوسيعها من أجل مواجهة التهديدات. ويشمل التوازن الخارجي ترتيبات التحالف؛ حيث تتحد الدول معاً في مواجهة المخاطر المتوقعة، وضمان الأمن من خلال المقاومة المشتركة للمعتدي الذي يشكل خطراً. وعند مواجهة تهديد أمني مشترك، من المفترض أن تضع الدول خلافاتها الثانوية جانباً وأن تنضم إلى تحالف قائم على التوازن. ويشتمل التوازن الاستراتيجي أيضاً على تطوير هذه العلاقات في الوقت المناسب للسلام لردع العدوان ودعم الاستقرار الإقليمي، ويعتبر مجلس التعاون لدول الخليج العربية مثالاً جيداً لهذه الحكمة.
 
لقد شهدت الحرب الأمريكية في فيتنام الشعب (الوسيلة) ينقلب ضد الحكومة، مما أدى في النهاية إلى انتصار الفيتناميين. وخلال الحرب العالمية الثانية كانت القوات المسلحة الألمانية (السبل) تخضع  لهيمنة هتلر الشديدة بهدف تحقيق نجاح استراتيجي، وفي عام 1941 جرت القوات المسلحة اليابانية الأمة إلى حرب ضد أمريكا لم يكن لديها أمل بالفوز فيها؛ لأنها كانت تفتقر إلى غاية حكومية عقلانية (الغاية) وحلفاء إقليميين. 
 
ويحدد معظم المحللين أيضاً ثلاثة عناصر أخرى: العاطفة، والغموض، والتقلبات، التي تضيف المزيد من التعقيدات والمخاطر إلى كل جهد استراتيجي يعزز قيمة المقاربات الإستراتيجية المتوازنة. إذن فالحفاظ على التوازن يمثل إحدى السمات الرئيسية للتنفيذ الناجح للإستراتيجية. في الماضي، حققت دولة الإمارات العربية المتحدة توازناً ملحوظاً داخل المنطقة وفيما بين قدراتها الذاتية (كما تدل على ذلك الجهود الإماراتية الحالية ضد التطرف بوضوح تام)، وسوف يكون هذا التوازن أكثر أهمية في المستقبل المعقد.