السبت 01 نوفمبر 2014

يحتاج القادة الوطنيون إلى فهم أدوات سلطة الدولة والطرق التي يجب استخدامها لتنفيذ الاستراتيجيات، بما في ذلك التحديات التي تواجه تنفيذ الإستراتيجية أثناء الأزمة أو الصراع. ومن خلال استخدام الدبلوماسية يغدو من السهل فهم الاقتصاد والقدرات العسكرية والمعلومات على المستوى الوطني وذلك على الصعيد النظري، بينما يبقى التنفيذ الاستراتيجي معقداً للغاية. فقد وصف الأستاذ في جامعة كولومبيا، ريتشارد بيتس، الإستراتيجية بأنها "المقوم الأساسي في صنع الحرب، فإما أن تكون فعالة سياسياً أو مقبولة أخلاقياً"، ويرى بيتس أن السلطة من دون إستراتيجية إنما هي "مدفع طليق والحرب طائشة". ولكن، ليس مجرد كون الإستراتيجية ضرورية يعني أنها واضحة ومستقيمة. إن الإستراتيجية تحير العديد من الناس. وحتى بيتس فقد كتب يقول إن "الإستراتيجية الفعالة تعتبر في كثير من الأحيان مجرد وهم؛ لأن ما يحدث في الفجوة بين الأهداف السياسية ونتائج الحرب بالغ التعقيد ولا يمكن التنبؤ به." إن فهم الديناميات الإقليمية، وتفسير المخاوف الداخلية، وتوظيف الموارد الوطنية بشكل فعال، هي أمور يتسم كل منها بالصعوبة، بينما هي في مجموعها يمكن أن تكون منهكة أثناء الأزمات. لماذا؟ لأن الصراع بشكل خاص، والإستراتيجية بشكل عام، غالباً ما يتصفان بالضبابية، والاحتكاك، والصدفة.
 
إن ضبابية الحرب هي الغموض الذي يتأتى من ضعف الوعي الظرفي، والغموض بشأن قدرات الدولة، وقدرات عدوها، وقدرات شركائها، وبخاصة نوايا عدوها. وقد أسهمت التكنولوجيا الحديثة في التخفيف من حالة الغموض وعدم اليقين هذه إلى حد ما؛ فصور الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار عن بعد تسمح للقادة "برؤية" بعض إجراءات العدو، ولكن، حتى هذه التقنيات تمثل ميزة محدودة عندما لا يكون للخصم حدود معترف بها، أو عندما يختلط المقاتلون بالسكان المحليين. كما أن أجهزة الاستشعار لا تميز دائماً الصديق من العدو، ولا يمكنها أبداً تحديد النوايا، وفي الظروف الخطيرة غالباً ما يكون الشعب هو الوحيد الذي يمكنه الحصول على هذا النوع من المعلومات الاستخباراتية. وللأسف فإنه حتى في ظل الكميات الهائلة من المعلومات المتوافرة اليوم، غالباً لا تعرف الدول سوى القليل مما له قيمة حول خصومها. 
 
حذر كلاوزفيتز الاستراتيجيين من الاحتكاك، مشيراً إلى أنه في الصراع "يمثل أبسط الأشياء صعوبات، وهذه الصعوبات تتراكم وتنتج الاحتكاك، وهذا لا يمكن تصوره للإنسان الذي لم يشاهد الحروب". وأشار كلاوزفيتز أيضاً إلى أنه لا يمكن اعتبار أي منظمة كياناً واحداً؛ لأن "كل منظمة مكونة من أفراد، وكل واحد منهم يحتفظ باحتمالات القيام بالاحتكاك." ويعتقد البعض أن التكنولوجيا الحديثة (بدقة متناهية) تحد من الآثار السلبية للاحتكاك، غير أن المشكلات الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية في هجمات الطائرات بدون طيار في أفغانستان وباكستان تروي قصة مختلفة جداً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تأثير الخطر في القدرة على التفكير بوضوح والعمل بفاعلية أثناء الصراع يزيد الاحتكاك فحسب، مما يسهم في تضخيم العيوب الكامنة في كل شخص وكل تكنولوجيا تمثل أدوات لسلطة الدولة، وبالتالي يسيطر الاحتكاك ويعيق كل جهد استراتيجي. 
 
وأخيراً فإن ثمة احتمالاً ولو ضئيلاً بأن "تفاعل الإمكانات والاحتمالات، والحظ الجيد والحظ السيئ" الذي ينطوي عليه الصراع، قد يحتاج أيضاً جميع الاستراتيجيات خلال الأزمة. تتألف الدولة من آلاف الفرق المكونة من أفراد، وكل فريق منها يمكن أن يتأثر بالمصادفة. وثمة تعقيدات لا نهاية لها، وحدود غير محددة، وتناقضات لا حل لها بين النظرية والتطبيق الفعلي، وحسابات تتطلب كميات متغيرة متشابكة مع قوى وعوامل وآثار نفسية – وكل ذلك يعني أنه يمكن أن تتضخم عوامل صغيرة من دون قصد وبشكل غير متناسب، وقد تجتمع مشكلات ثانوية لتخلق مشكلات كبرى، ويحتمل أن تكون جميعها غير متوقعة من جانب القادة. إن الخطر والمجهود البدني لا يسهمان سوى في مضاعفة الأعداد الضخمة للآثار السلبية المحتملة للصدف. وتسهم الصدفة والاحتمالات أيضاً في تضخيم آثار الضبابية والاحتكاك على حد سواء أثناء تنفيذ الإستراتيجية، مما يسبب زيادة التعقيد أضعافاً مضاعفة.
 
إن الضبابية والاحتكاك والفرص أو الصُدف يضعف عملية تنفيذ الخطط ويربك الإشارات، ومن ثم فإن أي إستراتيجية تعتمد على تلك الخطط والإشارات يمكن عند ذلك أن تنهار، مما يؤدي إلى ضياع الفرص، أو حتى أسوأ من ذلك، إلى الفشل. واليوم، مع شروع دولة الإمارات العربية المتحدة في المشاركة في الصراع بوصفها عضواً في تحالف دولي ضد تهديد ديناميكي وماكر، وتتصدى بفاعلية للغموض لتحقيق أهداف الأمة، فإنها بحاجة إلى أن تكون موضع أقصى اهتمام في أذهاننا. إن الغموض وعدم الوضوح يربك كل شيء أثناء الصراع، ولكن لحسن الحظ، فإن القادة الاستراتيجيين الذين يتحلون بالحكمة والفكر المبدع والعزيمة القوية يمكنهم المضي والمثابرة على الرغم من التحديات لتحقيق الفوز والنصر.