الجمعة 01 يوليو 2016

من بين المهام الأساسية لكل قائد استراتيجي أن يتصور الظروف الجيوسياسية المستقبلية ويحدد أفضل مسار للدولة لإنجاز مصالحها الوطنية. ولتحقيق هذا الغرض بشكل فعال، يتعين على القادة الوطنيين فهم الطرق التي يمكن فيها استخدام السلطة لتحقيق الأهداف الوطنية، وللأسف فإن الفوضى غالباً ما تسود العالم المعاصر، وقد يكون المستقبل غامضاً. وكما يتضح لنا من الحرب في اليمن اليوم، فإن الحرب تعد من أكثر الأمور تحدياً وإحداثاً للفوضى وتأثيراً في الديناميكية الاستراتيجية العالمية. 
 
 
كتب المؤرخ كولين جراي يقول: «إننا نعلم كل ما ينبغي معرفته عن الحرب، وهذا ليس بالأمر المستغرب؛ لأن لدينا مصادر متنوعة حول 2,500 عام من التاريخ الدامي. لكننا لا نعرف شيئاً عن حروب المستقبل؛ إذ إن معرفتنا عنها معدومة في الحقيقة، حتى في المدى القريب.» وقد كتب في موضع آخر من المقال نفسه يقول: «تنطوي الحرب إلى حد ما على عنف منظم، تكمن وراءه اعتبارات سياسية. فالحرب مرتبطة بالسياسة، والسياسة تنطوي على اقتسام السلطة، بمعنى من الذي سيحظى بنصيب منها، وماذا سيفعلون بها، وما هي العواقب... وهناك كثيرون يخلطون بين طبيعة الحرب وصفتها؛ فالحرب ذات طبيعة كونية شاملة ودائمة ولا تتغير، أما صفة الحرب فهي في تغير دائم. وليس هذا التمييز مجرد نقطة أكاديمية دقيقة، ليس لها أي تداعيات أو صدى جدير بالملاحظة في عالم الواقع.   
 
 
تنطوي طبيعة الحرب على عناصر تشمل العنف، والاحتكاك، والصدفة، والغموض، وتشترك جميع الحروب فيما بينها في الاشتمال على هذه العناصر إلى درجة ما. والصراعات - من الحرب النووية إلى الحرب التقليدية الكاملة، ومن الهجمات العسكرية إلى حفظ السلام – تشترك فيما بينها جميعاً بهذه العناصر جميعاً، غير أن كلاً منها تأخذ شكلها بواسطة سياسات توجهها مثل معاهدات جنيف وأهداف الحرب الوطنية، والكراهية أو العداوة، والتفاعل المعقد بين الصدف والاحتمالات والذي يحدث عندما نحدث خلخلة في عرى المجتمع التي تشمل الأخلاق والقانون، ونقبل استخدام القوة المفرطة في السعي لتحقيق المصالح الوطنية.
 
 
في الوقت الذي تظل فيها طبيعة الحرب فوضوية تماماً، فإن صفة الحرب تأخذ شكلها على نحو فريد بفعل عوامل بشرية وطبيعية تحيط بها. فقتال المشاة خطير للغاية وقبيح وغير مريح ورهيب ومنهِك للمنتصر والمهزوم. قد يكون القتال في قمرات القيادة ومراكز السيطرة أقل خطراً وقبحاً، ولكنه يمكن أن يكون بالدرجة نفسها من الرعب والإنهاك؛ ذلك أن الحرب في جوهرها تنطوي على التحكم في عملية التدمير، وقد يفقد البشر في الحرب بين وقت وآخر السيطرة على أدوات الدمار نفسها (تأمّل قصف المدن في الحرب العالمية الثانية، وإزالة الغابات أثناء حرب فيتنام أو حرق صدام حسين لآبار النفط في العراق عام 1991). 
 
 
على الرغم مما ينطوي عليه تصور وتوقع صفة الصراعات المستقبلية من تحديات، فليس من الصعب فهم طبيعة الحرب اللامتغيرة المنطوية على الدمار. يرى كلاوزويتز أنه ليس بالإمكان كبح جماح الحرب إلا إذا تم حفظ التوازن فيها من خلال ثلاثة عوامل: بتقييد العنف بواسطة السياسة ضمن تقلبات الصدف، غير أنه كتب يقول إن الحرب بطبيعتها تتكشف عن أمور لا يمكن التنبؤ بها بناء على تفاعل عنصرين قويين ودائمين، هما الاحتكاك والغموض. وتعني هذه العوامل أن الحرب سيهيمن عليها دوماً الخطر البالغ، والمجهود الهائل، والغموض الكبير، والدمار المحتمل. وتتضافر هذه الصفات جميعاً لتجعل الحرب بطبيعتها مرعبة، وينبغي أن يدرك الجميع هذه الحقيقة.
 
 
ينبغي لنا اليوم أن ندرك تماماً الطبيعة المدمرة للحرب لكي نحكم متى يمكن أن تكون الحرب ضرورية بهدف حفظ الاستقرار والمحافظة على رخائنا الوطني. كما أنه من المفيد أن نفهم كيف أن صفة الحرب يمكن أن تتغير في الأعوام القادمة حرصاً على ضمان ألا تعاني أمتنا من الآثار السلبية للحرب التي تتمثل في الخوف والرعب والمصلحة والوطنية. لقد عنيت دولة الإمارات العربية المتحدة بإنهاء الحرب في كل من أفغانستان وليبيا، وهي تتصدى لآلام الحرب الرهيبة في اليمن، ويجب أن يستمر هذا النضج في الفهم إن شاركت في التصدي للحرب في سوريا أو أي حرب أخرى في المستقبل.